كتاب عربي 21

الإسلاميون وإهمال قضايا الناس الحقيقية: الحراك الاحتجاجي في لبنان نموذجا

قاسم قصير
1300x600
1300x600
يتعاطى الإسلاميون والقوى والحركات الإسلامية في العالم العربي مع قضايا وهموم الناس باللامبالاة في الكثير من الأحيان، لأنهم يعتبرون أن هناك قضايا أهم يجب الالتفات لها كإقامة دولة الخلافة أو الدولة الإسلامية أو مقاومة الحكام الظالمين أو مقاومة الاحتلال أو المشاركة في الصراعات الدولية والإقليمية أو التركيز على الجوانب العقائدية والأخلاقية والإيمانية، ويعتبر بعض الإسلاميين أنه إذا تحققت المشاريع الكبرى كإقامة الخلافة الإسلامية أو إسقاط الحكم الظالم فإن ذلك قد يساعد على تحقيق مطالب الناس.

كما أن هناك قوى وحركات وجمعيات إسلامية تعتبر أنه يمكن معالجة مشاكل الناس الاجتماعية والمعيشية من خلال المبادرات الفردية أو عبر تقديم المساعدات الإنسانية أو من خلال إقامة المؤسسات والجمعيات الصحية والاجتماعية والتنموية التي تقدم الخدمات للناس وفي الوقت نفسه تعزز العلاقة المباشرة بين المجموعات الإسلامية وأفراد المجتمع.

ولا يعطي الإسلاميون في الكثير من الأحيان الاهتمام لإقامة الدولة العادلة والقادرة على تلبية مطالب الناس أو للمشاركة في الاحتجاجات الشعبية التي تضغط على المؤسسات الرسمية من أجل تحقيق مطالب العمال والفئات الفقيرة أو مختلف الطبقات ويتركون هذه المهمة للقوى اليسارية والقومية أو نقابات العمال أو لمؤسسات المجتمع المدني.

ولا يعني إهمال الإسلاميين عامة للهموم الاجتماعية والشعبية وقضايا الناس، عدم وجود استثناءات لدى بعض الإسلاميين بالاهتمام بقضايا الناس أو عدم نجاح بعض الأحزاب الإسلامية في المشاركة في بعض التحركات الشعبية والاحتجاجية.

لكن ما جرى في لبنان مؤخرا من حراك شعبي – شبابي احتجاجي وابتعاد معظم القوى والحركات الإسلامية عن المشاركة في هذا الحراك لأسباب مختلفة (مع وجود بعض الاستثناءات القليلة من بعض العلماء والهيئات الإسلامية) يكشف عن وجود خلل كبير في موقع القضايا الاجتماعية والمعيشية في المشروع الإسلامي، ولدى القوى والحركات الإسلامية وعدم معرفة الإسلاميين لنبض الناس الحقيقي وهمومهم المباشرة.

وقد يضع بعض الإسلاميين أسبابا لعدم المشاركة في هذا الحراك؛ خوفا من وقوف "جهات مشبوهة" وراءه، أو لعدم التنسيق مع الإسلاميين في التحرك، أو لقناعة الحركات الإسلامية بعدم جدوى هذا التحرك، أو لأن لدى الإسلاميين هموما أخرى يريدون التركيز عليها.

لكن كل هذه الأسباب لا تبرر غياب المشاركة الإسلامية، إن على المستوى الفردي أو الجماعي أو من خلال بعض الهيئات والحركات الإسلامية الناشطة، عن هذا الحراك الذي بدأ بالمطالبة بمعالجة مشكلة النفايات في لبنان والتي تهم كل الناس وكل طبقات المجتمع، ومن ثم طرح هذا الحراك مشاكل الفساد وأزمة الطبقة السياسية الفاسدة، ومشاكل النظام السياسي الطائفي، وغير ذلك من القضايا الأساسية كمشكلة انقطاع الكهرباء والمياه.

بعض الإسلاميين شن حملة على هذا الحراك الشبابي- الشعبي؛ لأن بعض الناشطين رفع صورة للأمين العام لحزب السيد حسن نصر الله من ضمن الشخصيات المسؤولة عن مشاكل البلد، وبعضهم اتهم الناشطين بأنهم عملاء للسفارات الأجنبية وأن حراكهم مشبوه، وإسلاميون آخرون تخوفوا من أن يكون هدف الحراك تغيير النظام السياسي لصالح فئة من اللبنانيين، وهناك من شكك بالتحرك وجدواه وبمن يقف خلفه خصوصا مع وجود هيئات علمانية أو ليبرالية أو يسارية مشاركة في الحراك.

لكن كل هؤلاء الإسلاميين لم يلحظوا أن العدد الأكبر من المشاركين في هذا الحراك هم مواطنون لبنانيون حقيقيون، لديهم مطالب حقيقية، وأن حالة الوجع والقرف من الواقع القائم هي التي دفعتهم للنزول إلى الشارع وأن معظم المشاركين لا ينتمون لأحزاب أو لهيئات منظمة.

إن غياب الإسلاميين عن الحراك الاحتجاجي الاجتماعي يترك الساحة لغيرهم ويجعل الناس العاديين يشككون بدور الإسلاميين وأهدافهم، ولذا لا بد من إعادة تقييم نظرة الإسلاميين للقضايا الاجتماعية والمعيشية ووضعها في سلم الأولويات، لأنه لا يمكن الدعوة للإسلام أو لإقامة مشروع إسلامي سياسي أو جهادي أو مقاوم، إذا كان الناس جائعين أو محرومين من أبسط حقوقهم الإنسانية.
التعليقات (0)