قضايا وآراء

ثوراتنا الفاشلة.. وحتمية تأخر النصر

رضا حمودة
1300x600
1300x600
هل فرض علينا الفشل مع كل بارقة أمل في طي صفحة الواقع المرير، وتغيير الأوضاع المختلة، كلما توهمنا أننا قد قمنا بثورة حقيقية لاقتلاع الظلم، واجتثاث شجرة الفساد إلى الأبد، لنستيقظ على واقع أشد سواد من ذي قبل؟! ، لأننا درجنا على السقوط في الحفرة نفسها عشرات المرات، وكأننا لم نتعلم من دروس التاريخ القديم والحديث، وكأننا بارعين في السقوط والفشل جيلا بعد جيل، حتى أصبح هذا الهبوط والفشل عادة وعبادة مصرية تتوارثها الأجيال، ويتخطفها شعب الكنانة ليباهي بها جميع الأمم.

ثوراتنا ناقصة، وإن شئت فقل فاشلة حتى لو كانت بريئة طاهرة، فالبراءة والطهارة ليست شرطا للعبور الآمن للمستقبل، أو تحقيق الهدف من القيام بها، ذلك أن الثورة تكتسب أهميتها بحجم الإنجاز الذي قامت به على صعيد التغيير الجذري لواقع كئيب إلى واقع مغاير، ومن ثم مستقبل أفضل.

أما وأن ثوراتنا لم تحقق ذلك في مجملها، فلا تستحق أن نصفها بالثورة، حيث أن التوصيف الأدق لما حدث أنها هبّة أو فورة (من الفوران)، أو حتى انتفاضة سرعان ما خمدت، وعادت دولة الفساد والاستبداد أكثر شراسة مما كانت عليه في السابق، بفعل التحايل والإلتفاف على مطالب الجماهير التي وثقت هكذا بكل سذاجة في الصف الثاني لدولة الاستبداد الذي كان يعيش في الظل بعيدا، حتى خرج في الوقت المناسب لينقض على مشروع الثورة في مهده، عبر سياسة فرق تسد الاستعمارية، فنجح في شق الصف الثوري، واستقطاب فصيل دون آخر، ثم اللعب مع فصائل أخرى في الخفاء، ليلعب مع الجميع وعلى الجميع، ثم العمل على إشاعة الفوضى ليضمن له مكانا في دائرة الحكم رسميا، وليس من وراء حجاب، بعد أن يستدعيه قطاع واسع من العامة والدهماء، ليعود مرة أخرى بإدعاء شرعية الإنقاذ من الفوضي والعنف، ولكن بوجه أكثر قبحا وشراسة.

من السذاجة أن نتوقع النصر والخلاص من دولة الظلم والطغيان والاستبداد سريعا أو قريبا، لأن الأمر مرتبط بنظري بالوعي الجمعي للشعب، وساعتها سيتلاشى الاستبداد ذاتيا، نظرا لاتساع دائرة التمرد (الواعي) على السلطة الغاشمة، والتي لا تملك إزاء هذا الغضب العارم أن تقاوم أو تساوم على البقاء لحظة واحدة، حيث أن الصراع القائم الآن في مصر واليمن وسوريا وليبيا، ما هو إلا صراع على وعي وعقل الجماهير بهدف اختطافه بعيدا عن جوهر القضية المتمثل في الاستبداد الذي ولد بدوره الفساد والقهر والقمع والتخلف والانحطاط، وكل الموبقات السياسية والاقصادية والاجتماعية.

هل ننتظر كسرا للانقلاب، وبيننا مازال يصدق أن الإخوان المسلمين هم سبب سقوط الأندلس، وأن هناك كرة أرضية أخرى غير التي نعرفها أسفل اعتصام رابعة العدوية، أو أن المعتصمين هم من قتلوا أنفسهم؟!

وهل ننتظر نصرا قريبا، وفينا الكثير ممن يعتقدون أن الفصيل الذي فاز بانتخابات شرعية شفافة هو من اختطف الثورة (الناقصة)، وأنه قتل وسرق وخان وفعل كل الموبقات في عام واحد فقط للحكم؟!

هل ننتظر خلاصا من الأوضاع المأساوية الراهنة ، ومازال يعيش بيننا قطاع ليس بالقليل يصدق أن الأمراض العضال يتم علاجها بجهاز (الكفتة)، وأن رجال الضفادع البشرية المصرية استطاعت أسر قائد الأسطول السادس الأمريكي؟!

هل يأتي النصر على شعب يصدق فيه بعض القوم أن عبد الفتاح السيسي هو عدو الأمريكان والصهاينة الأول، وأنه رسول  من رسل الله، جاء ينقذ الإسلام من أيدي الكفرة المتاجرين باسم الدين؟!

هل يأتي الفرج، ومازال فينا من يصدق أن الجيش حمى الثورة، أو أن الجيش انحاز لإرادة الشعب مرة في 25 يناير، وأخرى في 30 يونيه؟! – يا سادة الجيوش لا تحمي الثورات بل تخمدها أو تسرقها.

هل يتغير الحال من الذل وهناك من يعتقد ويؤمن أن الأزهر الشريف (كمؤسسة مخترقة ومسيسة)، وليس كأفراد هو المتحدث الرسمي الحصري الحقيقي المعبر عن الإسلام الوسطي الذي يحمي ثغور الدين بحق، ولا يستخدم من قبل السلطان؟!

يقول المفكر الراحل الكبير في توصيفه وتقييمه للثورات المصرية والحكم العسكري، في كتابه الموسوعة "شخصية مصر" إنه خلال 5000 آلاف سنة، لم تحدث أو تنجح في مصر ثورة شعبية حقيقية واحدة بصفة محققة ومؤكدة، مقابل بضع هبّات أو فورات قصيرة متواضعة أو فاشلة غالبا، مقابل عشرات بل مئات من الانقلابات العسكرية يمارسها الجند أوالعسكر دوريا كأمر يومي منذ الفرعونية، وعبر المملوكية، وحتى العصر الحديث ومصر المعاصرة".

الثورات للأسف يا سادة في غالبيتها يصنعها الشرفاء، ويسرقها الأوغاد كما قال المناضل الثوري (تشي جيفارا)، فأينما اجتازت الأمة معركة الوعي، فثَم النصر والتمكين والخلاص من الانقلاب فضلا عن كل أشكال الظلم والقهر والقمع والاستبداد ووالطغيان والفساد ،ذلك أن المستبد لا يحكم إلا بالفوضى ، ولا يتغذى إلا على اشاعة الفتنة والكراهية ذ، ولا يبقى إلا بنشر الجهل وتزييف الوعي، وحيث لا أقصد هنا أن يتسرب الوعي إلى جميع مكونات الشعب لأنها مثالية خيالية، بل الحد الأدني من الوعي الذي يغلب الجهل والعبودية، أما ما دون ذلك فتعبيرا مشروعا فقط عن الغضب والرفض والمقاومة.
0
التعليقات (0)

خبر عاجل