كتاب عربي 21

الحاجة إلى فكر جديد بنخب جديدة

نور الدين العلوي
1300x600
1300x600
هل تستجيب النخبة التونسية  فكريا وسياسيا لمقتضيات المرحلة التي تمر بها البلاد؟  السؤال ملح على أبواب الاستحقاق الانتخابي الثاني بعد الثورة إذ يفترض أن تكون مياه كثيرة قد مرت تحت جسور التنظيرات الجامدة أو الثابتة لما قبل الثورة.

هناك صورة للعالم ولسبل التأثير فيه قد وصلت نهايتها وفرضت الثورة إعادة بناء التصورات والبرامج على كل التيارات الفكرية والكتل السياسية التي تتصدى للشأن الوطني والشأن العام بكل تفريعاته الثقافية فما مقدار الاستجابة التي نرى الآن؟ السؤال يشمل مجالين مجال التعامل التيارات مع بعضها ومجال تصورها للمستقبل.

أولا : في مجال التعامل السياسي الوطني نجد تكلس اليسار واليمين على السواء .

يسار متكلس

كان السائد عندنا أن اليسارية مرادفة للنقد الذاتي وسرعة تطوير الأفكار وبالتالي السبق لإنتاج البدائل لكن واقع الحال أن ما يصدر عن الكتل اليسارية والمثقفين من أعلاَم اليسار(والتيارات القومية) لا ينبئ بفهم ما يجري من حولهم ولا يبشر بمراجعات عميقة لجوهر الأطروحة الثورية اليسارية العربية. 

أهم المسائل التي لا ولم تخضع للمراجعة هي التعامل مع تيارات الإسلام السياسي كمفردات من الواقع يجب فهم أسباب وجودها وفهم بنائها وابتكار طرق التعامل معها بصفتها شريكا وطنيا. لكن الملاحظ أن الخطاب اليساري تجمد حول أن هذه التيارات صنيعة الامبريالية وحاملة لمشروع اختراق تفكيك وإفشال مشروع  ثوري تقدمي بخلفية وحدوية. وعوض الاقتراب والتفاعل صنفت تيارات الإسلام السياسي وخاصة حركة الإخوان المسلمين في نفس الخانة التي وضعت فيها سنة 1954 أي بداية تصفيتها السياسية من قبل النظام العربي الجديد.

تظهر بعض الأقلام النقدية لفعل اليسار السياسي في تونس حول التموقع والتحالفات ولكن موقف القطيعة  والعداء والاستئصال للإسلام السياسي يظل موقفا ثابتا بما يؤشر على استحالة التقارب والتفكير المشترك في مستقبل البلد والثورة أو ما تبقى منهما. إنه منطق امتلاك الحقيقة غير القابل للنقض. منطق يتجاهل حركة الواقع وغير مستعد للتطور.

إسلام سياسي طهوري وتكفيري

هل تظهر تيارات الإسلام السياسي انفتاحا تجاه اليسار؟ بدأت التيارات الإسلامية تنقسم وتتحرك في اتجاه انفتاح سريع على اليسار وتعرب عن مواقف تعاون لكنها لا تلاقي القبول فترتد إلى مواقع دفاع عن وجودها وتنتج خطاب انكفاء ومظلومية. يؤشر انقسامها بين تيارات معتدلة وأخرى متطرفة على حراك داخلي يخرج منه شق براقماتي يحسن التعامل مع الواقع لكن الشق المتطرف والاقصائي بخلفية تكفيرية يجد قبولا أوسع مستغلا الرفض الجذري بما يجعل إنتاج الإقصاء من الجهتين مؤشرا على احتمالات احتراب أهلي لن يفلح المعتدلون في لجمه.

لقد عاش الإسلام السياسي لأكثر من نصف قرن في وضع الضحية المقهورة  وقد عمل انقلاب العسكر المصري ومساندة اليسار له كما عمل إسقاط حكومة النهضة في تونس بتأثير مباشر من اليسار على استعادة جزء كبير من خطاب الضحية المنكفئة على نفسها بعد أن تقدمت هذه التيارات للحكم فمنعت منه بالقوة(والاستعانة بالأجنبي).وهو الأمر الذي ألغى الكثير من مؤشرات التطور الذاتي في مجالات التفاعل مع الواقع المستجد بعد الثورة. لقد بدأت حركة تفكير وإعادة بناء العمل السياسي على أسس ليبرالية غير أصولية لكن حتى اللحظة تاهت الصرخة في وادي الإقصاء والجمود. يعرف الإسلاميون كيف يستثمرون في وضع الضحية لكن لم يعد مفهوما ما الذي يربحه اليسار من سياسة الإقصاء خاصة وقد انفتح على السفارات الأجنبية حيث التقى هناك بالإسلامي العميل صنيعة نفس السفارات. لقد خرج من الموقف الطهوري المعادي للامبريالية. حتى لكأن السفارات أقرب إليه و أحب إلى قلبه من شريك الوطن.فكران تماميان يكيفان صراعا على واقع لا يفهمانه(ولا يريدان) بما يفتح بوابات عودة النظام القديم  الذي يقدم نفسه في صورة  الوسطي المعتدل.

ثانيا :بخصوص قراءة الواقع وتصور البدائل  هل تنتج التيارات شيئا جديدا؟

برغم ما اقترحته الثورة  على النخب  وبأصوات واضحة من طلب العدالة الاجتماعية إلا أن ما جرى حتى اللحظة هو إعادة إنتاج منوال التنمية الليبرالية التابع الذي سار عليه النظام السابق بل وأبدعت النخب الجديدة في ابتكار سبل استدامته عبر التكايد السياسي في مرحلة تقتضي التعاون والتفكير المشترك في المستقبل. لقد افتخر اليسار بإسقاط حكومة الإسلام السياسي لكنه لم يكشف مكاسب الوطن من هذه العملية التي قادها باقتدار كما لم يكشف على أي أساس من الفكر والبرامج أسقطها. ولذلك نرى في مرحلة الاستعداد للانتخابات أن الجميع يسكت بتواطؤ مريب على الإجراءات غير الاجتماعية التي تنفذها حكومة قيل أن مهمتها المركزية انجاز الانتخابات.لأن كل نقد سيعري صاحبه ويجعله في موضع المساءلة عن البدائل التي يقترحها بما قد يعيد النقاش إلى بدايته على أي أساس أسقطت حكومة الترويكا؟ أين كانت مواضع فشلها الاقتصادي والاجتماعي؟ إن فشل من خلفها يبرر لها الكثير والسكوت عليه الآن في فشله يكشف أن معارضة الترويكا كانت بدورها معارضة بلا برنامج إلا العداء السياسي للإسلام السياسي و بالتالي نعود إلى أساس المسألة.أي طرح سؤال البدائل المستقبلية والقدرة على الرد عليه والاستعداد لتحمل كلفته.

في هذه المرحلة لن يعذر الإسلامي بوضع الضحية فالكيد جزء من اللعبة. ولكن لا عذر لليساري في مواصلة إقصاء خصومه والزعم بتملك الحقيقة والمرجعية السليمة. توجد خريطة أخرى يشكل الإسلام السياسي جزء أساسي منها وقد تم تجاهل ذلك طويلا لكن ذلك لم يذوب الإسلام السياسي بل قواه. القبول بهذه الشراكة يؤدي إلى تجاوز أشكال الصراع الإقصائي والتأسيس لفكر مختلف. في الفكر المختلف لا بد أن يختفي القول بأن اليساري وحده هو التقدمي وأنه وحده يملك مفاتيح الحداثة فليس أدل على فقره الحداثي القائم الآن أن يصر على أنه وحده الحداثي والتقدمي وليس أدل على تخلف الإسلامي وجموده الفكري أن يقسم بالناس بعد على أساس معتقدهم بين مؤمن وكافر.

الصراع ليس هناك أيها السادة ولستم من يخول له الآن إدارته بأسلوبكم إن مقاييس الصراع الآن ومفرداته وفاعليه السياسيين متخلفة عن الثورة لأنها تدار من قبل مثقفين (نخبة) متخلفين بحكم الأبنية التمامية التي تربوا عليها.لذلك فمدار الصراع الآن وهنا وكما فرضت الثورة رغم هوانها على المثقفين من اليسار واليمين هو مشروع بناء العدالة الاجتماعية التي ستنتج حتما مشروعا ثقافيا مختلفا. يقوده مثقفون جدد يمنعهم الخطاب الإقصائي من التخاطب البناء. 
التعليقات (1)
عبدو
الثلاثاء، 08-07-2014 02:22 م
لقد أحسن الباحث التوصيف ولخص عناء المجادلة على من يستمسكون بمنطق / طوطم لا يراه سواهم...ما أجمل الرأي حين يستند الى عقل ولفظ منحوت