ملفات وتقارير

"شلايم": شارون ليس رجل سلام بل فاشل وكذاب وفاسد

آرئيل شارون - أ ف ب
آرئيل شارون - أ ف ب
كتب آفي شلايم الباحث الإسرائيلي في جامعة أوكسفورد عن رئيس الوزراء الإسرائيلي أرئيل شارون، الذي عاش في غيبوبة لمدة ثمانية أعوام، بعد إصابته بجلطة دماغية عام 2006 مقالاً لصحيفة "الغارديان"، تساءل فيه إن كان شارون رجل سلام كما سارع البعض إلى وصفه، بعد وفاته عن عمرٍ ناهز الـ85 عاما، أم أنه كان بخلاف ذلك.

وقدم شلايم مقاله بالقول: "كان شارون من  أكثر الرموز الإسرائيليين إثارة للجدل، فتاريخه المتقلب كجندي وسياسي تركز في معظمه على موضوع واحد: هو الصراع بين إسرائيل وجيرانها العرب. وشارك كجندي في هذا الصراع المرير بشكل كبير، فيما أطلق عليه "البلدوزر- الجرافة" كسياسيٍ؛ لأنه كان يزدري منافسيه السياسيين، فضلا عن شراسته في التعاطي مع  الأمور".

 وأضاف شلايم "شارون شخصية مليئة بالعيوب، وتاريخ من الوحشية والكذب والفساد، ولكنّه رغم كلّ عيوبه يحتل موقعا خاصا في تاريخ بلده".

وفسّر شلايم وصفه السابق لشارون بالقول "كان شارون يهودياً قوميا متحمسا، في جلد  متشدد، صقر يميني ضار، وأظهر دائما ميلا لاستخدام العنف ضد العرب، حيث عدل مقولة المنظّر العسكري المعروف كلاوزفيتز، حيث اعتبر الدبلوماسية امتدادا للحرب بوسيلة أخرى".

 وأشار إلى العنوان الذي اختاره لسيرته الذاتية "محارب"،  "مثل مسرحية شكسبير كوريالانوس، فقد كان شارون بالضرورة آلة حرب، رفضه نقاده باعتباره ممارسا "للصهيونية المسلحة" كتحريف لفكرة الصهيونية عن اليهودي القوي، المنصف والشجاع. فيما مثل شارون بالنسبة للفلسطينيين الوجه البارد والوحشي والعسكري للاحتلال الصهيوني".

وأسهب شلايم في الحديث عن تاريخ شارون الوحشي قائلا "في عام 1953 كرس الملازم شارون نفسه للجريمة بمجرزة سقط فيها 69 مدنيا في القرية الفلسطينية قبيا، وقاد الإجتياح الإسرائيلي للبنان، في حرب خداع فشلت في تحقيق أي من أهدافها الجيوسياسية، فقد أظهرت لجنة تحقيق مسؤولية شارون، وفشله بمنع مذبحة قامت بها الميليشيات المسيحية ضد الفلسطينيين من أبناء مخيمي صبرا وشاتيلا، وظل هذا الحكم وصمة في جبينه مثل جريمة قابيل، ولكن من توقع أن يثب الرجل الذي قيل إنه لا يصلح لوظيفة وزير دفاع".

 حدث هذا، كما يقول شلايم، عندما قام شارون في انتخابات عام 2001 بمحاولة لإعادة "تقديم" نفسه كرجل سلام، وقام مسؤولو حملته الإنتخابية بتقديم فكرة عن أنّ شارون تغير مع تقدم عمره، وأحدث تحولا في شخصيته من جندي ملطخ بالدم إلى باحث حقيقي عن السلام، حتى وصفه الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش بـأنّه "رجل السلام".

وتحدث الكاتب عن تجربته كباحث ومؤرخ في الصراع العربي – الإسرئيلي وعلاقة هذا بتاريخ شارون حيث قال "خلال الـ40 سنة الماضية كان الصراع العربي- الإسرائيلي هو اهتمامي الرئيس، ولم أعثر على أي دليل أو إشارة لفكرة أنّ شارون رجل سلام، فقد كان رجل حرب في كل الوقت، حاقدا على العرب، مشاكسا وداعما لعقيدة الحرب الدائمة، وبعد صعوده للسلطة ظل شارون، كما كان دائما، داعية للحلول العنفية".


وأضاف شلايم إن "الهم الرئيس الذي شغل شارون كان الحرب على الإرهاب ضد الجماعات الفلسطينية المسلحة، "ولم تحدث أية مفاوضات سلام مع السلطة الوطنية في الفترة ما بين 2001- 2006، وهو أمر كان شارون يفتخر به، فالمفاوضات بحسب تفكيره كانت تعني التنازل، وظل يتجنبها مثل شخص يتجنب الوباء".

وبناءً على الفرضية السابقة أوضح الكاتب سبب رفض شارون "للخطط الدولية التي سعت إلى تحقيق حل يقوم على إقامة دولتين؛ واحدة لليهود وأخرى للفلسطينيين، ومن هذه الخطط كانت المبادرة العربية عام 2002 والتي قدمت لإسرائيل سلاما وتطبيعا مع الدول الـ22 الأعضاء في الجامعة العربية مقابل إقامة دولة فلسطينية مستقلة في الضفة الغربية وغزة وعاصمتها القدس الشرقية، أما الأخرى فخريطة الطريق التي تقدمت بها المجموعة الرباعية عام 2003 والتي تحدثت عن ظهور دولة فلسطينية إلى جانب إسرائيل بحلول عام 2005".

 ووصف الكاتب شارون بأنّه كان "رجلا غير واقعي بكل ما تعنيه الكلمة من معنى. وكان هدفه الحقيقي هو إعادة رسم حدود من جانب واحد ومن خلال ضم أراضٍ واسعة من المناطق المحتلة، وكانت المرحلة الأولى بناء ما أطلق عليه الجدار الأمني في الضفة الغربية والذي يطلق عليه الفلسطينيون  جدارالفصل العنصري، الذي رفضته محكمة العدل الدولية باعتباره غير قانوني؛  فالجدار أطول بثلاث مرات من حدود ما قبل 1967، ولم يكن هدفه توفير الأمن لإسرائيل بل سرقة الأراضي، فالأسيجة الجيدة قد تؤدي لجيران جيدين، ولكنّها ليست كذلك حينما تقام في حديقة الجيران".

وتحدث الكاتب عن المرحلة الثانية من خطة شارون لرسم حدود إسرائيل وقال إنّها "كانت عندما قرر فك الإرتباط من غزة في آب /أغسطس  2005".

 واقتضت هذه الخطة بحسب شلايم "اقتلاع 8 الاف يهودي وتفكيك المستوطنات، وهو تحول مثير للصدمة من رجل كان يطلق عليه الأب الروحي للمستوطنين، ومع ذلك فقد صور الإنسحاب من غزة على أنه مساهمة من إسرائيل في خريطة الطريق التي تقدمت بها الرباعية، ولكنه لم يكن بهذه الصورة، لأن خريطة الطريق دعت للتفاوض وقد رفض شارون المفاوضات، وكان انسحابه من جانب واحد لتجميد العملية السياسية ومنع ولادة دولة فلسطينية، والحفاظ على الواقع الجيوسياسي في الضفة كما هو".

 وأشار الكاتب إلى أنّ شارون تعامل مع الفلسطينيّين بأسلوب "المفارقة اللئيمة"، وهو مصطلح قانوني يصور السلوك الوحشي والقاسي والمتهور والخالي من الحس الأخلاقي، ويفتقد لأي احترام لأرواح الآخرين، وهو أسلوبٌ ذميم بدرجة لا يمكن تبرئة صاحبه بأيّ شكل.

وختم شلايم مقاله بالقول "في نهاية حياته النشطة انسحب شارون من حزب الليكود كي ينشيء حزب وسط جديد أسماه كاديما، ولم يعمر كاديما كثيرا بعد رحيله عن الحياة السياسية ولا يملك سوى مقعدين في الكنيست، وهذا يعني أن محاولة اللحظة الأخيرة التي حاول فيها شارون إعادة تشكيل السياسة الإسرائيلية قد انتهت بالفشل".

وبحسب الكاتب فإنّ ما تبقّى من شارون هو ميراثه الذي كان  يهدف "لتقوية ومنح الجرأة للمتطرفين الأكثر عنصرية، ومعاداة للآخرين، فضلا عن ترسيخ الأطماع التوسعية في النظام السياسي الإسرائيلي".
التعليقات (0)