كتب

نهب ممتلكات الفلسطينيين كسياسة لمنع العودة.. كتاب يعيد قراءة النكبة

من المستوطنات اليهودية الجديدة التي أنشئت بين العام 1948 وأوائل العام 1953 وعددها 370 مستوطنة، كانت 35 منها على أملاك الغائبين
من المستوطنات اليهودية الجديدة التي أنشئت بين العام 1948 وأوائل العام 1953 وعددها 370 مستوطنة، كانت 35 منها على أملاك الغائبين
الكتاب: "نهب الممتلكات العربية في حرب 1948"
المؤلف: آدم راز
المترجم: أمير مخول
الناشر : الأهلية للنشر والتوزيع، 2023


يقدم المؤرخ الإسرائيلي آدم راز لكتابه بالتأكيد على أن الهدف منه تسليط الضوء على جانب منقوص من تاريخ النكبة، التي لا يذكرها بهذا الاسم وإنما يطلق عليها حرب الاستقلال (1947 ـ 1949)، وهذا الجانب هو تورط العديد من شرائح الجمهور الإسرائيلي، مدنيين ومحاربين، في نهب ممتلكات الفلسطينيين، الذين يطلق عليهم (العرب)، مشيرا إلى أن ما يريده في هذا البحث لا يقتصر على سرد قصة النهب وتفاصيلها، فالقصة هنا سياسية، كما يقول، إذ لقي هذا الفعل قبولا من قبل شخصيات عديدة في الجهازين السياسي والعسكري، من ضمنهم رئيس الوزراء ديفيد بن غوريون، وأكثر من ذلك أنه لعب دورا سياسيا في تشكل المجتمع الإسرائيلي، وتقاسم السلطة السياسية في الدولة الناشئة، وتبلور العلاقات بين إسرائيل والعالم العربي، سواء أثناء الحرب أم بعدها.

من جهة أخرى يذكّر مترجم الكتاب، أمير مخول، القارئ بأنه رغم أهمية الموضوع والجهد المبذول فيه فإنه مكتوب من وجهة نظر لا تخفي أنها مؤدلجة صهيونيا، حيث لا يفتأ المؤلف ينبه إلى إن الحركة الصهيونية لم تكن حركة نهب منذ نشأتها ولا ينبغي أن ينظر إليها على هذا النحو حتى بعد انتهاء "حرب الاستقلال"، كما أن الصهيونية، ليست ذات طيف سياسي واحد. بكلمات أخرى، كما يقول مخول، فإن محتوى هذه الكتاب هو كشف وقائع من الأرشفة الصهيونية، ولكن من خلال النأي عن تفسير أو تحليل طابع هذه الحركة، وكذلك دون مناهضة معلنة لها.

قصة النهب

يشرح راز بالتفصيل، في الجزء الأول من كتابه ، كيف تمت عمليات النهب المستعرة التي شملت مدنا مثل حيفا وعكا واللد والرملة ويافا والقدس وغيرها من المدن الرئيسية، وينتقل إلى نهب القرى الفلسطينية، معرجا كذلك على نهب الكنائس والمساجد، مستندا في ذلك إلى وثائق تاريخية توزعت على 20 أرشيفا وتضمنت شهادات جنود وضباط ومدنيين إسرائيليين شاركوا في النهب أو كانوا شهود عيان عليه. بينما يناقش في الجزء الثاني من الكتاب النهب من وجهة نظر اجتماعية وسياسية.

يركز راز على نهب الممتلكات المنقولة التي تركها الفلسطينيون خلفهم بعد عمليات التهجير، أي محتويات عشرات الآلاف من البيوت والمحلات التجارية، والمنتجات الزراعية، والماشية، والسيارات، والمعدات الميكانيكية والمصانع..ألخ. وقيمة هذه الممتلكات تعادل النزر اليسير مقارنة بقيمة الأراضي والمباني التي كانت مملوكة للفلسطينيين(العرب) وصادرتها دولة إسرائيل.

ومع ذلك فإن نهب الممتلكات المنقولة له جوانب مهمة تستحق تسليط الضوء عليها، بحسب ما يقول راز، الذي يرى أنها تتميز بثلاثة أبعاد رئيسية: فالنهب لم يتم من أعلى بحكم توجيهات سياسية، لقد كان طوعيا وأدى إلى مشاركة جمهور كبير في الجريمة. ونظرا لأن الناهبين كانوا هم الجمهور الصهيوني الكبير، فقد أثر ذلك على مواقفهم وبلورها تجاه اللاجئين الفلسطينيين الذين بقوا في البلاد، وتجاه أنفسهم ومجتمعهم، وتجاه طريقة حل النزاع الإسرائيلي ـ العربي الفلسطيني بشكل عام.

ومن جهة ثالثة فرغم أن النهب يعتبر في زمن الحرب ظاهرة تاريخية طويلة الأمد ، فإنه في هذه الحالة شكل فرادة واستثناء لأن الناهب نهب جيرانه (العرب) ولم يكن هؤلاء"أعداء" مجردين من الخارج، بل جيران من الأمس.".

نظرا لأن الناهبين كانوا هم الجمهور الصهيوني الكبير، فقد أثر ذلك على مواقفهم وبلورها تجاه اللاجئين الفلسطينيين الذين بقوا في البلاد، وتجاه أنفسهم ومجتمعهم، وتجاه طريقة حل النزاع الإسرائيلي ـ العربي الفلسطيني بشكل عام.
يذكر راز أنه في نوفمبر 1951 قامت لجنة التوفيق التابعة للأمم المتحدة بتقدير قيمة الممتلكات العربية المنقولة التي بقيت بما يزيد عن 18 مليون و600 ألف ليرة فلسطينية. ويقول يكفي أن نمعن النظر في الكتب المصورة عن حيفا أو عكا أو يافا أو القدس، للوقوف على الكم الهائل من الممتلكات العربية التي خلفها الفلسطينيون وراءهم.. كتب، أموال، تحف، ملابس، مجوهرات، أثاث منزلي، بلاط المطابخ، أجهزة كهربائية، سيارات .. وأكثر من ذلك بكثير. لقد نهبت جميع المدن العربية والمختلطة بشكل تام.

ولم يميز الناهبون بين ممتلكات العربي الغائب والعربي الحاضر. أما القرى فاستمر نهبها على يد القوات العسكرية منذ بداية الحرب وحتى نهايتها. ولم تكتف هذه القوات بنهب القرى التي احتلتها(550قرية) الذي شمل المحاصيل الزراعية وقطعان الماشية، والذهب، والأموال، فعاثت فيها تخريبا وحرقا وتدميرا. اللافت، بحسب ما يقول راز، أن النهب وقع ابتداء ولم يكن لدى الجمهور اليهودي دراية مؤكدة بأن السكان العرب لن يعودوا لاحقا.

نهب تجيزه السلطات

في مقال، نشره في صحيفة دافار عام 1950، يقول "الوصي على الممتلكات المهجورة" دوف شفرير : إن إدراك جزء كبير من الجمهور بأن الممتلكات باتت مشاعا، ووصول عشرات الآلاف من القادمين، وقيام نظام جديد، والضغط الناتج عن الاحتياجات ومحاولة كسب رضاهم بالبيوت والأملاك المهجورة، كل ذلك تسبب بفوضى عارمة تمثلت في اقتحام البيوت والمحلات التجارية والمستودعات سواء أكنت اقتحامات فردية أم منظمة، من قبل المؤسسات والهيئات المسؤولة.

كان الجمهور اليهودي مقتنعا بأن القانون يحظر النهب لكنه مع ذلك، بحكم الواقع، مجاز من قبل السلطات. لذلك وبعد الانتهاء من احتلال كل المدن الفلسطينية بلغ عدد الجنود الذين جرى تقديمهم للمحاكمة بتهم حيازة ممتلكات مهجورة 175 جنديا فقط. يقول راز أن مراجعة المصادر تظهر أن معظم قادة البلماح( حركة المستوطنات التعاونية الزراعية الصناعية التابعة للتيارات العمالية والهستدروت) اعتبروا مصادرة الممتلكات بشكل جماعي (النهب العام) أمرا مشروعا يختلف قانونه اختلافا جوهريا عن النهب الشخصي.. وأن السرقات والسطو من أجل النهوض بالصهيونية أو تحقيقها أمر متاح.

يوضح راز أنه كنتيجة فورية أولى للنهب لعب غض الطرف عنه وعدم المعاقبة عليه دورا في تكريسه كفعل غير مجرّم. وكنتيجة اجتماعية ثانية جعل الناهب الفردي شريكا في النهج السياسي. فالناهب الفردي لم يكن بالضرورة مشاركا فعالا في التهجير أو في دعم نشط لنزوح العرب عن قراهم ومدنهم، لكنه استفاد في الواقع وعلى المستوى الشخصي من السياسة التي أدت إلى ذلك. من وجهة نظره يمكن التخمين بأن عودة السكان العرب إلى بيوتهم المنهوبة كانت ستلزمه بإعادة الممتلكات التي نهبها.

بمعنى أن عودتهم كانت تتنافى مع مصلحته الاقتصادية الشخصية. لقد تطلب الأمر من الناهبين إضفاء الشرعية الاجتماعية على النهب، وكان جوهرها تأييد سياسة التهجير ومنع عودة السكان العرب، السياسة التي انتهجها بشكل واضح ديفيد بن غوريون من خلال تدمير ومحو القرى. يقول راز: شكلت إتاحة النهب أشهرا عديدة جوءا من آلية سياسية مراوغة جُنّد بواسطتها السكان اليهود في خدمة النتائج بعيدة المدى للتوجه السياسي :إفراغ البلاد من سكانها العرب من خلال تدمير اقتصادهم ومنازلهم وممتلكاتهم.

الناهب الفردي لم يكن بالضرورة مشاركا فعالا في التهجير أو في دعم نشط لنزوح العرب عن قراهم ومدنهم، لكنه استفاد في الواقع وعلى المستوى الشخصي من السياسة التي أدت إلى ذلك.
في المقدمة يشير المترجم مخول إلى سجال أثاره الكتاب بين مؤلفه ورونه سيلع(مؤلفة كتاب "لمعاينة الجمهور") دار على صفحات أحد المواقع الالكترونية الإسرائيلية، ومما جاء فيه أن راز حاول تصوير النهب المنظم كجرائم شخصية، الأمر الذي يقلل من المسؤولية السلطوية المباشرة عن المظالم والممارسات الإجرامية، حيث قالت: إنني أدعي أنه حتى لو لم تتخذ الحكومة قرارا رسميا بارتكاب عمليات السطو، فإن المسؤولين الرسميين مثل قادة الجيش، أو مديري المؤسسات الرسمية، أو الهيئات التي عملت تحت إمرتهم، أو العديد من المسؤولين المحليين في المستوطنات، قد اتخذوا قرارات بالنهب من الناحية الفعلية. وأخذ سيلع على الكتاب تجاهله عمليات النهب ومصادرة الغنائم المنظمة للثروات الثقافية والروحية والأرشيفات والتمثيلات البصرية الفلسطينية، والتي كانت جزءا مهما من المحو التاريخي والثقافي الذي تم في النكبة، ومنها مثلا المكتبات الفلسطينية. واستهجنت استخدام وصف الممتلكات ب"العربية" بدلا من "الفلسطينية.

واستنادا إلى كتاب هنري كتن "فلسطين في ضوء الحق والعدل" الصادر في لندن عام 1969، يذكر مخول مجوعة من الحقائق اللافتة منها أن الممتلكات التي تركها الفلسطينيون كانت من أعظم العوامل التي أسهمت في جعل إسرائيل "دولة حية" فترامي مساحتها، وكون معظم المناطق بطول الحدود يتألف من أملاك الغائبين جعلت لهذه الممتلكات أهمية استراتيجية. ومن المستوطنات اليهودية الجديدة التي أنشئت بين العام 1948وأوائل العام 1953 وعددها 370 مستوطنة، كانت 35 منها على أملاك الغائبين. وفي العام 1954 عاش أكثر من ثلث سكان إسرائيل في ممتلكات الغائبين، كما أن ما يقرب من ثلث المهاجرين الجدد (250 الف نسمة) استقروا في مناطق داخل مدن طرد منها الفلسطينيون.
التعليقات (0)
الأكثر قراءة اليوم