اقتصاد دولي

خبراء: الأرباح الانتهازية للشركات خلقت ظاهرة "تضخم الجشع".. والكل خاسر

روزنتال: المصنعون يخوضون لعبة خطيرة مع ظاهرة "تضخم الجشع" والجميع يخاطر بالخسارة- جيتي
روزنتال: المصنعون يخوضون لعبة خطيرة مع ظاهرة "تضخم الجشع" والجميع يخاطر بالخسارة- جيتي
نشرت صحيفة "لوموند" الفرنسية تقريرًا تحدثت فيه عن ظاهرة "غريدفلايشن" أو ما يُعرف "بتضخم الجشع" الذي تسبب في ارتفاع أسعار المواد الغذائية.

وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إن تنوع مصطلحات تطور الأسعار يتواصل، فبعد التضخم والانكماش والركود التضخمي، حان الآن وقت "تضخم الجشع" أو "تضخم الأرباح"، والمتمثل في ارتفاع الأسعار الناجم عن جشع الشركات التي تسعى إلى تحسين ربحيتها. ويعتبر اضطراب الاقتصاد العالمي هذا نتيجة تعاقب الصدمات التي عانى منها لمدة ثلاث سنوات، بين موجات الوباء والتوترات الجيوسياسية وتجزئة التجارة العالمية.

وأفادت الصحيفة أنه حتى مع تباطؤ الاقتصاد؛ وبعد أن انتعش بقوة في أعقاب عمليات الإغلاق، اغتنمت بعض الشركات الفرصة لزيادة هوامش الربح، لدرجة أنها أصبحت أحد المحركات الرئيسية للارتفاع في مؤشرات الأسعار. وفي هذا السياق؛ يعتبر قطاع المواد الغذائية الزراعية نموذجًا يسلط الضوء على هذه الحركة التي تثير قلق الخبراء الاقتصاديين والقادة السياسيين. فبعد أن تأثرت السلع الوسيطة، ثم السلع المعمرة مثل السيارات؛ أصبح "تضخم الجشع" أكثر وضوحًا بالنسبة للمستهلكين بعد أن أثر على مشترياتهم اليومية الأساسية، أي الغذاء.

وأفادت الصحيفة بأنه عندما انفجرت أسعار الغاز والنفط والحبوب في الأشهر الأولى من الحرب الروسية الأوكرانية؛ رحب المستهلكون بالضغط التضخمي بقدر من التحفظ؛ حيث اكتشفوا أن أوكرانيا هي منتج رئيسي لزهور عباد الشمس، وأن تكلفة النقل البحري تتقلب بشكل كبير حسب الطلب، وأن الوقود الأحفوري لا يزال يساعد المزارعين بشكل كبير على زراعة المنتجات اللازمة لملء أطباقنا.

اظهار أخبار متعلقة



هدوء في أسعار السلع

وذكرت الصحيفة أن الزيادة كانت مفهومة بشكل أكبر لأنها انتشرت بطريقة انطباعية بفضل الحواجز الجمركية التي فرضتها الحكومة. والأهم من ذلك أن المستهلك لم يكن قد أدرك بعد مزايا نظام مفاوضات الأسعار بين المنتجين والموزعين. وتعتبر فرنسا بالفعل الدولة الوحيدة التي تحدث فيها هذه الأحداث مرة واحدة في السنة وتنتهي في الأول من آذار/مارس.

علاوة على ذلك - وفق الصحيفة - فقد ارتفعت أسعار المواد الغذائية بنسبة 15.9 بالمئة في آذار/مارس، تزامنًا مع بدء التهدئة الأولى في أسعار السلع الأولية. وانخفض سعر النفط بمقدار النصف، والأرز بنسبة 19 بالمئة، والقمح بنسبة 30 بالمئة، والزجاج بنسبة 18 بالمئة، وتكلفة الحاويات بأكثر من 80 بالمئة. في المقابل، يستغل البعض ذلك لتحقيق فارق في الأسعار وزيادة هوامش الربح.

ونقلت الصحيفة عن خبير الإحصاء في المعهد الوطني للإحصاء سيلفان بيلو، قوله في مذكرة مكتوبة لمعهد "لا بويتي": إن أكثر من ثلث الزيادة في أسعار إنتاج الأغذية المصنعة يرجع إلى ارتفاع أرباح الصناعة.

ويوضح الخبير قائلًا: "في فترة انخفاض مكاسب الإنتاجية، مثل تلك التي نمر بها، يجب أن ينخفض معدل الهامش، فهذا ما حدث في السبعينات، ولكن اليوم تتزايد الأرباح بوتيرة أسرع بكثير من الأجور". 

اظهار أخبار متعلقة



"استعادة الهوامش بشكل انتهازي

وأشارت الصحيفة إلى أن الخبراء الاقتصاديين في البنك المركزي الأوروبي توصلوا تقريبًا إلى نفس الاستنتاجات: فقد كان من المفترض أن يبدأ تباطؤ النمو في التأثير على ربحية الشركات. ومع ذلك؛ تستفيد الشركات التي تتمتع بمكانة قوية في سوقها من السياق التضخمي لفرض زيادات أسعار تفوق تلك المتعلقة بتكاليفها، مما يؤدي إلى زيادة هوامشها.

وتأتي هذه الانتهازية بعيدًا عن الشركات الصغيرة والمتوسطة في القطاع، بعد فترة طويلة امتدت من 2010 حتى الأزمة الناجمة عن جائحة كوفيد-19، حيث كانت الاتجاهات تميل أكثر نحو الانكماش. وفي المقابل؛ تتعافى شركات الأغذية العملاقة، على أمل أن تمر زيادات أسعارها دون أن يلاحظها أحد في دوامة التضخم الكبيرة.

وترى الصحيفة أن هذه الظاهرة تستدعي عدة ملاحظات: أولًا؛ فهي تطمس الخطاب المؤيد للصناعة الذي بدأ ينتشر بين القادة السياسيين، فعندما كان التضخم غير موجود؛ كان من السهل تمجيد مزايا إعادة إحياء الإنتاج والتوظيف، مع التأكيد على المساهمة الضئيلة للتوزيع الكبير في الاقتصاد، وبمجرد هبوب العاصفة الأولى على الأسعار؛ يستعيد الاستهلاك السيطرة. ومن هنا يأتي إصرار الحكومة على إعادة فتح المفاوضات التجارية، من أجل الحد من أثر الانخفاض الأخير في الأسعار.

ولهذا يُعتبر استغلال الفرص لإعادة تكوين هوامش الربح المريحة أمرًا يستحق النقد بشكل أكبر خاصة أن الشركات استفادت إلى حد كبير أثناء الأزمة الصحية. وتفسر المساعدات الحكومية جزءًا كبيرًا من قدرتها على التعافي.

اظهار أخبار متعلقة



"لعبة خطيرة"

وبحسب الصحيفة؛ فيشير المستشار الاقتصادي لـ"بنك ناتكسيس"، باتريك أرتوس، إلى أن "تضخم الأرباح" هو خبر سيئ للاقتصاد: فهو لن يشجع البنك المركزي الأوروبي على رفع أسعار الفائدة بشكل أكبر فحسب، بل يدفع أيضًا لزيادة العجز العام للتعويض عن خسارة القوة الشرائية للمستهلك. لأن المشاركة في تشويه تقاسم القيمة على حساب الأجور، يتسبب في النهاية بالضغط على الاستهلاك.

وفي الختام، أشارت الصحيفة إلى أن الحلقة المفرغة بدأت بالفعل؛ ففي الربع الأول من السنة، انخفضت مشتريات السلع في قطاع التوزيع الكبير بنسبة 9 بالمئة. وعلى ضوء ذلك؛ يقول فرانك روزنتال، خبير في التسويق التجاري: "يخوض المصنعون لعبة خطيرة مع ظاهرة "تضخم الجشع"؛ حيث يخاطر الجميع بالخسارة، حتى مثيرو المشاكل، الذين قد يفقدون جزءًا كبيرًا من عملائهم بسبب استغلالهم المفرط للربحية". في المقابل، أثناء انتظار آلية "اليد الخفية" لإعادة المصنعين إلى رشدهم، يمكن أن يكون الضرر كبيرًا.

التعليقات (0)