قضايا وآراء

ماذا يريد السيسي في السودان؟

قطب العربي
يخشى نظام السيسي من انتقال عدوى السودان إليه- جيتي
يخشى نظام السيسي من انتقال عدوى السودان إليه- جيتي
بعد غياب وارتباك في التعامل مع المشهد السوداني عادت القاهرة للعب دور في إعادة صياغة ذلك المشهد، وكان المظهر الأبرز لذلك هو زيارة رئيس المخابرات العامة المصرية عباس كامل إلى الخرطوم يوم 4 كانون الثاني/ يناير الجاري وطرحه لمبادرة مصرية تقضي بجمع الفرقاء السودانيين على طاولة حوار في القاهرة. والمقصود تحديدا هو "مركزية" الحرية والتغيير والقسم المنشق عليها والذي يضم قوى حليفة تاريخيا لمصر، مثل الحزب الاتحادي الذي نصحت القاهرة زعيمه الروحي محمد عثمان الميرغني بالعودة إلى السودان في 31 تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي بعد 9 سنوات من اللجوء إلى مصر، وكان الهدف من عودته هو لعب دور ميداني من داخل السودان في إعادة ترتيب المشهد بما يضمن حضورا لمصر في التسوية النهائية للأزمة.

تاريخيا فإن العلاقة بين مصر والسودان ذات طبيعة خاصة وحساسة جدا، ذلك أن السودان ظل لفترة طويلة تحت السيادة المشتركة المصرية البريطانية منذ العام 1899، حتى قرر السودان الاستقلال عن مصر في العام 1956، ورغم ذلك الاستقلال فقد ظلت العلاقة خاصة جدا بين الدولتين الجارتين.

ظلت إدارة السيسي مشغولة بنفسها، ولعلها اطمأنت إلى أن قوى الثورة السودانية ليست معادية لها، بل يجمعها معها العداء للتيار الإسلامي، ومن هنا لم تشغل نفسها بالحضور الواضح في المشهد السوداني، لكن بعض التطورات دفعت النظام المصري لمحاولة استدراك الموقف
وطيلة العقود الماضية ظل الملف السوداني بالنسبة لمصر حصرا للمخابرات العامة، مع أدوار شكلية لوزارة الخارجية، ولكن المخابرات المصرية فشلت في التنبؤ بالثورة السودانية، ومن ثم ارتبكت الإدارة المصرية في التعامل مع تلك الثورة، فهي من جهة لا تخفي سعادتها بالإطاحة بحكم البشير ومن ورائه بالإسلاميين في السودان، باعتبار ذلك امتدادا للإطاحة بهم في مصر على يد الجيش أيضا، وفي الوقت نفسه فهي لا تخفي قلقها من أي حراك ثوري في المنطقة يعيد الروح لقوى التغيير في مصر ذاتها، خاصة أن الكثير من العوامل والأزمات المعيشية والأمنية تجعل الوضع قابلا للانفجار في أي لحظة، وهنا تحديدا يخشى نظام السياسي من انتقال عدوى الثورة من جنوب الوادي إلى شماله في ظل التداخل الكبير بين الشعبين.

ظلت إدارة السيسي مشغولة بنفسها، ولعلها اطمأنت إلى أن قوى الثورة السودانية ليست معادية لها، بل يجمعها معها العداء للتيار الإسلامي، ومن هنا لم تشغل نفسها بالحضور الواضح في المشهد السوداني، لكن بعض التطورات دفعت النظام المصري لمحاولة استدراك الموقف، أولها تحول السودان خلال العامين الماضيين إلى ساحة تنافس إقليمي ودولي تحت لافتة تحقيق تسوية سياسية بين أطراف الأزمة السودانية من عسكريين ومدنيين.

وثانيا، بروز الدورين السعودي والإماراتي بقوة في تحريك المشهد السوداني، دون أي تنسيق او اعتبار للنظام المصري صاحب العلاقة التاريخية، والدور الخاص في السودان.

خشية نظام السيسي من عودة محتملة للإسلاميين السودانيين ضمن أي اتفاق تسوية، حيث تتصاعد المطالبات في السودان بذلك، وتلقى قبولا متناميا حتى من قوى الحرية والتغيير نفسها التي قصرت رفضها على حزب المؤتمر الوطني الحاكم من قبل
ثالثا، بروز الدور الإثيوبي القوي في السودان خاصة بعد زيارة رئيس الوزراء آبي أحمد ووفد رفيع للسودان ولقائه بالرئيس البرهان، وتقديمه طمأنة للسودان بعدم المس بمصالحه فيما يخص قضية المياه وسد النهضة، وهو ما يبدو أنه أقنع القيادة العسكرية السودانية، وظهر في تصريحاتها الإعلامية.

رابعا، وهذا هو الأهم، خشية نظام السيسي من عودة محتملة للإسلاميين السودانيين ضمن أي اتفاق تسوية، حيث تتصاعد المطالبات في السودان بذلك، وتلقى قبولا متناميا حتى من قوى الحرية والتغيير نفسها التي قصرت رفضها على حزب المؤتمر الوطني الحاكم من قبل. وهذه العودة المحتملة تزعج النظام المصري كثيرا، حتى لو كانت في الحدود الدنيا، لأنه يخشى من انتقال تلك العدوى والضغوط إلى مصر أسوة بالسودان.

رغم أن القاهرة طرحت مبادرة لجمع الفرقاء السياسيين على أرضها، لكنها على الأرجح ستستبعد القوى الإسلامية من هذه الدعوة، رغم أن بعض هذه القوى شاركت بالفعل في توقيع الاتفاق الإطاري، مثل حزب المؤتمر الشعبي (ولو كان جزءا منه) ومثل جماعة أنصار السنة، كما أن قوى إسلامية أخرى الممثلة في نداء أهل السودان رفضت توقيع ذلك الاتفاق ولا تزال تطالب مع غيرها من القوى باتفاق أشمل يتسع للجميع دون إقصاء.

من الصعب أن تنجح مبادرة نظام السيسي في الوصول إلى تسوية مختلفة عن الاتفاق الإطاري، فقد رفضت قوى الحرية والتغيير التعاطي الإيجابي معها حتى الآن، مكتفية بالاتفاق الذي وقعته مع العسكر، كما أن القوى الإسلامية في السودان وهي قوى وازنة تدرك أنها مستهدفة من النظام المصري، والأهم أن القوى الراعية للاتفاق الإطاري سواء الولايات المتحدة أو حتى السعودية والإمارات ستبذل جهدها لعرقلة المبادرة المصرية
إلى جانب هدف إقصاء الإسلاميين السودانيين من أي تسوية نهائية، فإن نظام السيسي يلقي بثقله لإبقاء اليد العليا للمكون العسكري في النظام السياسي الجديد، رافضا بالتأكيد ما تضمنه الاتفاق الإطاري من نقل السلطة للمدنيين وما تضمنه الاتفاق أيضا من عودة الجيش للثكنات، ونقل مشاريعه الاقتصادية والاستثمارية إلى الحكومة المدنية، لأن ذلك حال حدوثه سيشجع المصريين على المطالبة بالمثل في وقت لا تزال هيمنة المؤسسة العسكرية المصرية تتمدد في قطاعات اقتصادية واسعة، ولا تستطيع قوى المعارضة وقف هذا التمدد، وإن ظهرت مؤخرا قوة جديدة هي صندوق النقد تشترط لدعم مصر خروج الجيش من بعض المشروعات الاقتصادية، وحرمانه من الامتيازات والإعفاءات التي جعلت المنافسة غير عادلة مع القطاع الخاص.

من الصعب أن تنجح مبادرة نظام السيسي في الوصول إلى تسوية مختلفة عن الاتفاق الإطاري، فقد رفضت قوى الحرية والتغيير التعاطي الإيجابي معها حتى الآن، مكتفية بالاتفاق الذي وقعته مع العسكر، كما أن القوى الإسلامية في السودان وهي قوى وازنة تدرك أنها مستهدفة من النظام المصري، والأهم أن القوى الراعية للاتفاق الإطاري سواء الولايات المتحدة أو حتى السعودية والإمارات ستبذل جهدها لعرقلة المبادرة المصرية، لكن هذه المبادرة أسهمت في إرباك المشهد السياسي السوداني حتى الآن، وربما تكتفي القاهرة أخيرا بدور ولو صغير ضمن المجموعة الدولية الراعية للتسوية في السودان.

twitter.com/kotbelaraby
التعليقات (0)