كتاب عربي 21

مجلس مصري جديد لإحلال الواردات.. هل ينجح في مهمته؟

ممدوح الولي
1300x600
1300x600
حسب بيانات المصرف المركزى المصري بلغت قيمة الواردات المصرية السلعية خلال العام المالي 2020/2021، المنتهي بنهاية حزيران/ يونيو الماضي 70.7 مليار دولار، وهو رقم غير مسبوق تاريخيا، رغم سعي الجهات الحكومية لتقليل الواردات، لتخفيض الضغط على سعر الصرف بسبب عدم وفاء الموارد الدولارية بالمدفوعات المطلوبة.

كما أشارت بيانات جهاز الإحصاء الحكومي لبلوغ قيمة الواردات السلعية، خلال الشهور الثمانية الأولى من العام الميلادي الحالي، 53.9 مليار دولار، بمتوسط شهري 6.7 مليار دولار، وهو ما يعني في حالة استمرار هذا المتوسط بلوغ قيمة الواردات 81 مليار دولار بنهاية العام الحالي، خاصة في ظل ارتفاع سعر النفط والغذاء والمعادن في الأسواق العالمية حاليا، الأمر الذي دفع مجلس الوزراء المصري قبل أيام لتشكيل مجلس تنفيذي لإحلال الواردات وتعميق المنتج المحلي، وتنفيذ مشروعات استثمار صناعي بمشاركة القطاع الخاص، ومتابعة بيانات هيكل الواردات وإتاحتها لرجال الأعمال في القطاع الصناعي.
تبدو أهمية الواردات السلعية في التأثير على مدفوعات مصر من العملات الأجنبية، بالنظر إلى التكوين النسبي لتلك المدفوعات في العام المالي الأخير (2020/2021) حين بلغت 120 مليار دولار، وشكلت الواردات السلعية البالغة قيمتها 71 مليار دولار نسبة 59 في المائة منها

وتبدو أهمية الواردات السلعية في التأثير على مدفوعات مصر من العملات الأجنبية، بالنظر إلى التكوين النسبي لتلك المدفوعات في العام المالي الأخير (2020/2021) حين بلغت 120 مليار دولار، وشكلت الواردات السلعية البالغة قيمتها 71 مليار دولار نسبة 59 في المائة منها.

كما بلغت مدفوعات فوائد الاستثمارات الأجنبية بمصر 13 مليار دولار، وسداد أقساط الدين الخارجي 9.3 مليار دولار، والاستثمارات الأجنبية المباشرة الخارجة من مصر 8.7 مليار دولار، ومدفوعات الخدمات بخلاف النقل والسياحة ستة مليار دولار.

سلع مستوردة لا يمكن الاستغناء عنها

وبالنظر إلى هيكل تلك الواردات السلعية، نجد أن نسبة 32.5 في المائة منها سلع وسيطة، أي سلع تدخل في إنتاج سلع أخرى، مثل قطع غيار السيارات وقطع غيار الآلات والأجهزة وزيت الطعام والورق، ونسبة 28 في المائة سلع استهلاكية ومعظمها سلع غير معمرة، كالأدوية والملابس والخيوط واللحوم ومنتجات الألبان والأسماك، إلى جانب سلع استهلاكية معمرة كالأجهزة الكهربائية المنزلية.

ونالت السلع الاستثمارية نسبة 13.5 في المائة، وتتضمن الآلات والمعدات وأجهزة الكمبيوتر والتلفونات والرافعات والونشات، ونسبة 13 في المائة للوقود من نفط خام ومشتقات وغاز طبيعي، ونسبة 11 في المائة للمواد الخام من قمح وذرة وتبغ وخامات حديد ونحاس وألومنيوم.
المجلس التنفيذي الجديد ستظل مهمته عاجزة عن التدخل في إمكانية تقليل العديد من تلك الواردات، خاصة السلع الاستثمارية من آلات ومعدات والتي لا يتم تصنيعها محليا، ونفس الأمر مع المواد الخام والسلع الوسيطة، لتبقى مهمته مركزة على بعض السلع الاستهلاكية وليس كلها

ومن هنا يمكن تبين أن المجلس التنفيذي الجديد ستظل مهمته عاجزة عن التدخل في إمكانية تقليل العديد من تلك الواردات، خاصة السلع الاستثمارية من آلات ومعدات والتي لا يتم تصنيعها محليا، ونفس الأمر مع المواد الخام والسلع الوسيطة، لتبقى مهمته مركزة على بعض السلع الاستهلاكية وليس كلها، حيث يوجد طلب محلي على تلك السلع المستوردة؛ إما لأغراض السياحة أو لعامل الجودة أو لمراعاتها للمواصفات الصحية.

كما أن الكثير من سلع الصادرات تعتمد على مكونات مستوردة، تختلف نسبتها من صناعة إلى أخرى، فصناعة الملابس الجاهزة تعتمد على قماش وخيوط مستوردة وهكذا، فإذا أردنا زيادة الصادرات فلا بد أن تزيد الواردات، كذلك وجود عجز ملحوظ بالعديد من السلع مثل فول الصويا والمنتجات الكيماوية وأجهزة تكييف الهواء والمضخات والكابلات وغيرها، مع تدني نسب الاكتفاء الذاتي من المواد الغذائية مثل زيت الطعام والفول والذرة الصفراء، وتغطية حوالي نصف الاستهلاك من القمح، وتحول مصر لمستورد صاف للطاقة منذ عام 2012، وكل ذلك ينعكس على مضمون قائمة أبرز سلع الواردات من حيث القيمة خلال العام المالي الأخير.

استمرار استيراد النفط الخام والغاز

فقد تصدرت المشتقات البترولية بقيمة 5.2 مليار دولار، فما زالت مصر تستورد البنزين والسولار والبتوجاز بل والغاز الطبيعي بقيمة 764 مليون دولار، وفي المركز الثاني النفط الخام بـ3.4 مليار دولار، لتكريره محليا، وهو أمر سيستمر في السنوات المقبلة، و3.3 مليار دولار للحديد والصلب ومصنوعاته، و2.5 مليار دولار لسيارات الركوب، إلى جانب ملياري دولار لقطع غيار السيارات، و2.1 مليار دولار للقمح ومثلها للذرة وكذلك للأدوية.

وبالنظر إلى كون مجلس إحلال الواردات وتعميق المنتج المحلي برئاسة وزيرة التجارة والصناعة، فإن يدها ستكون مغلولة عن التدخل في النشاط الاقتصادي المتسع للجيش، وهو ما يؤثر على بيئة الاستثمار التي تراجع فيها نصيب القطاع الخاص في الاقتصاد، وظروف المنافسة غير المتكافئة التي يعمل فيها، مع المزايا التي تتمتع بها الأنشطة الاقتصادية للجيش؛ من توفير أراض بالمجان وعمالة رخيصة ومزايا ضريبية وجمركية وغير ذلك.

والغريب أن تشغيل المصانع المتعثرة لم يرد ضمن مهام المجلس الجديد، رغم أن هذا من شأنه زيادة المعروض من السلع، أيضا كيفية تشجيع الفلاح على زراعة المحاصيل التقليدية كالقمح والذرة ومحاصيل الزيوت، في ظل التوجه للأصناف الأكثر ربحا له مثل الفاكهة والخضر.
إذا كان كثير من المستوردين قد قللوا من استيرادهم نظرا لحالة الركود وضعف القوى الشرائية منذ أواخر 2016 وحتى الآن، فقد توسعت المشروعات الحكومية في الاستيراد لتوفير مستلزمات العاصمة الإدارية الجديدة ومدينة العلمين الجديدة وغيرهما من المشروعات الحكومية التي لا تمثل أولوية لدى عموم المواطنين

وكذلك قضية ملاحقة تهريب السلع، حيث أن رقم الواردات السلعية الرسمي أقل من الواقع، باعتراف مسؤولي الحكومة، نظرا لتلاعب كثير من المستوردين في فواتير الشراء من الخارج، حيث يذكرون قيمة أقل لدفع رسوم جمركية أقل، كما أن السلع المهربة لا تمر على المنافذ الجمركية ولا يتم تسجيل قيمتها، وهي تجارة كبيرة متعددة السلع كالملابس وأجهزة التليفونات ومستحضرات التجميل وغيرها، وفي ضوء التجارب السابقة خلال السنوات الماضية لتقليل حجم الواردات في ضوء نقص الدولار عامي 2015 و2016، واشتراط وزارة التجارة وقتها تسجيل المصانع الأجنبية الموردة لحوالي 50 سلعة في سجل خاص بهيئة الرقابة على الصادرات والواردات، وإصدار المصرف المركزي ضوابط لتنظيم الواردات، وعمل الجمارك بأسعار استرشادية لا تعترف بفواتير المستوردين ببعض السلع مثل السيارات، وصدور تعديل لقانون سجل المستوردين عام 2017، وإعلان وزارة شريف إسماعيل عام 2018 عن إجراء دراسة لواردات السلع والخدمات خلال السنوات الثلاثة الماضية، لتحديد أولويات سياسة تصنيع السلع من قبل القطاع الخاص محليا، وهو أمر لم يحدث مع تغير الوزارة، مثلما حدث في وزارات أخرى قبلها تحدثت عن تحديد أبرز سلع الواردات لتصنيعها محليا، لكن قضية الصناعة لم تكن أولوية لنظام مبارك كما هو الحال حاليا.

وإذا كانت إجراءات عامي 2015 و2016 قد نجحت في تقليل قيمة الواردات خلال العامين التاليين، فقد عادت الواردات إلى الزيادة بعد ذلك لعوامل كثيرة؛ أبرزها الزيادة الطبيعة للسكان من خلال عدد المواليد مطروحا منه عدد الوفيات، والبالغ متوسطها 1.8 مليون شخص سنويا خلال السنوات الخمس الأخيرة.

وإذا كان كثير من المستوردين قد قللوا من استيرادهم نظرا لحالة الركود وضعف القوى الشرائية منذ أواخر 2016 وحتى الآن، فقد توسعت المشروعات الحكومية في الاستيراد لتوفير مستلزمات العاصمة الإدارية الجديدة ومدينة العلمين الجديدة وغيرهما من المشروعات الحكومية التي لا تمثل أولوية لدى عموم المواطنين.

twitter.com/mamdouh_alwaly
التعليقات (0)