أفكَار

هل "انتفاضة القدس" أجهضت مشاريع التطبيع وقوضتها؟

معركة سيف القدس تعيد سؤال جدوى التطبيع مع الاحتلال إلى الواجهة- (الأناضول)
معركة سيف القدس تعيد سؤال جدوى التطبيع مع الاحتلال إلى الواجهة- (الأناضول)

كان لافتا ما قبل اندلاع انتفاضة القدس انتشار حمى التطبيع بين أنظمة عربية رسمية والكيان الصهيوني، وكان واضحا حرص تلك الأنظمة على نقل التطبيع من مستواه الرسمي إلى مستويات شعبية مختلفة، وهو ما تمثل بزيارات وفعاليات شعبية متبادلة بين مواطني بعض تلك الدول ومستوطني الكيان الصهيوني. 

وعلى الرغم من الرفض الشعبي العربي والإسلامي الواسع لتلك الفعاليات الرامية إلى كسر الحواجز، وإزالة الموانع تجاه التطبيع في مستوياته الشعبية المختلفة، إلا أن زخمها كان يزداد يوما بعد يوم، خاصة ما كان يقوم به مواطنون إماراتيون قبل انتفاضة القدس بكل تداعياتها على الداخل الفلسطيني، وعلى صعيد المقاومة في غزة.

ووفقا لمراقبين فإن غالبية الشعوب العربية والإسلامية باتت أشد استنكارا ورفضا لكل نشاطات التطبيع وفعالياته بعد جرائم الاحتلال الصهيوني الأخيرة في مدينة القدس والمسجد الأقصى وقصفها الجنوني لقطاع غزة، لكن كيف سينعكس ذلك على مشاريع التطبيع التي تتولى كبرها الدول المطبعة مع الكيان، والتي تدفع بكل قوتها لنقله إلى مستويات شعبية واسعة وعريضة؟
 
في قراءته لمشهد ما بعد معركة سيف القدس الأخيرة، رأى الكاتب المصري والباحث المتخصص في التاريخ والحضارة الإسلامية، محمد إلهامي أن "مشاريع التطبيع تلقت صفعة مدوية في خضم المعركة، ويمكن أن نتوقع تراجعا في فعاليات التطبيع، ولكنه تراجع مؤقت، فالأنظمة التي تسعى للتطبيع كالإمارات والبحرين والسعودية والمغرب، فضلا عن الأردن وفلسطين بطبيعة الحال، هي أنظمة غير شرعية، وهي ترى في علاقتها بإسرائيل مصلحة استراتيجية". 

 



وأضاف: "وهذه الأنظمة تطبع عمليا منذ سنين أو منذ عقود، ولكنها أرادت الآن أن تمارس "تطبيع التطبيع" بحيث تجعل العلاقة مع الصهاينة علاقة مقبولة جماهيريا" لافتا إلى أن "العلاقة مع إسرائيل لا تعود بأي مصلحة على الأوطان، وإنما المصلحة المرجوة هي مصلحة الأنظمة التي تحتاج إلى الدعم الصهيوني في واشنطن". 

وواصل إلهامي حديثه لـ"عربي21" بالقول: "ولو أن هذه الأنظمة كانت وطنية وأقدمت على خطوة التطبيع بدافع المصلحة الوطنية لكان يمكن أن نتوقع تراجعها، ولكن الأمر ليس كذلك بحال، ولهذا فالمتوقع أنها ستخفت حينا ثم تعيد تجديد نشاطها مرة أخرى". 

وأشار إلى أنه "لا يستطيع حتى الآن تفسير هذه الهبة الشعبية القوية المفاجئة، نعم، فإن الأمة لم تنس فلسطين ولم تخنها أبدا، ولكن الهية العامة كانت قوتها مفاجئة وغير متوقعة، وأقرب التفسيرات هو قدرة غزة على قصف تل أبيب، فإن الأمل في النجاح يستخرج من الإنسان طاقة لا يتوقعها هو نفسه، وهذه الطبيعة الإنسانية النفسية تفسر كثيرا من الأحداث، سواء في حرب غزة أو حتى في تشجيع نادي كرة قدم" على حد قوله. 

ورأى إلهامي أن "الأقوياء هم فقط من يجتذبون الجماهير التي تشجعهم.. وغزة في هذه المعركة مثلت الأمل الذي تنتظره الجماهير العربية والإسلامية التي تخيم عليها الأحزان والهزائم، وهذا ما يفسر كيف أن الهبة الشعبية المساندة للقدس ومعركة سيف القدس كانت أوسع بكثير من الهبة الشعبية المناهضة لعمليات التطبيع التي جرت العام الماضي، إنه الفارق بين جمهور يلوح أمامه الأمل، وجمهور خيم عليه اليأس وظن أنه يعجز عن التأثير في الأحداث".

بدوره رأى الباحث الكويتي في التاريخ والأدب، مهنا حمد المهنا أن "حرب غزة الأخيرة بينت وأكدّت وحدة الأمة وأخوتها، وأنها في خندق واحد وأن من خالفها اصطف مع اليهود في خندقهم وفسطاطهم فلفظته الأمة وقاءته، وجعلته يبتر جسده عن جسد الأمة مختارا هذا الطريق المظلم والهاوية السحيقة". 

 

                               مهنا حمد المهنا.. كاتب كويتي

 

وردا على سؤال "عربي21" حول تأثير الحرب الأخيرة على مشاريع التطبيع، توقع المهنا أن "وتيرة التطبيع ستخفت في الأيام القادمة، لأن الرئيس الأمريكي بايدن ليس حريصا على التطيع ولا مستعجلا عليه عكس ترامب، فبايدن يرى وجوب دوران إسرائيل في الفلك الأمريكي، بينما جعلها ترامب تدور في فلك مستقل عن أمريكا، ورائدة للشرق الأوسط". 

من جهته وصف الأكاديمي السعودي، أستاذ الإعلام السياسي، الدكتور أحمد بن راشد بن سعيّد، "هبّة حي الشيخ جرّاح، وانتفاضة المرابطين في المسجد الأقصى، خلال العشر الأواخر من رمضان، بأنها كانت مفاجأة مؤلمة، ليس للصهاينة فحسب، بل حتى لمعسكر التطبيع معهم".

وتابع: "لقد ظن هذا المعسكر، وتحديدا الخليجي منه، أن فلسطين ماتت، وأن غزة وُئدت، وأن الاحتلال أحكم قبضته على القدس، وأن الدعاية التطبيعية التي أغرق بها الرأي العام نجحت في شيطنة الفلسطيني، وهزّ الثقة حتى بحقيقة المسجد الأقصى وقدسيته وموقعه الجغرافي، ففاجأهم صمود الفلسطيني (الذي "باع أرضه" بحسب الدعاية) في الشيخ جراح، وفاجأتهم هبّة المسلمين في الأقصى احتجاجا على استمرار انتهاكه وتدنيسه".

 

                            أحمد سعيد.. كاتب وباحث سعودي


وأردف لـ"عربي21": "وهي الهبّة التي قلبت الطاولة في وجوه المطبّعين، وصحّحت البوصلة، وكانت أشبه بالكابوس على مسار التطبيع، وكانت ثالثة الأثافي التي أصابت القوم في مقتل استغاثة المقدسيين بالمقاومة، وتحديدا بحركة حماس والقائد القسّامي، محمد ضيف، والاستجابة السريعة من غزة، فقد حاولت دعاية دول التطبيع على مدى سنوات أن تشوّه صورة المقاومة الفلسطينية بشكل عام، وحركة حماس بشكل خاص، واتهمتها بالمتاجرة بالقضية، وبالتصرف وفقاً للمصالح الإيرانية، وبتقديم الأجندة العالمية لجماعة الإخوان على مصلحة الشعب الفلسطيني، بل إن الأمر وصل حدّ وصم الحركة بالإرهاب".

وأشار ابن سعيّد إلى أن "كل هذه الاتهامات تشترك فيها دول التطبيع الخليجي مع الكيان الصهيوني، الأمر الذي يجعلها في خندق واحد مع الكيان، وبنظرة سريعة إلى الحسابات الإسرائيلية باللغة العربية نجد أنها تكتفي، في كثير من الأحيان، بإعادة نشر المقالات والتدوينات الإماراتية والسعودية بشأن حماس، فقد كفى القوم الصهاينة مؤونة الدعاية ضد الحركة". 

وعن مدى تأثير انتفاضة القدس على مشاريع التطبيع في المنطقة، قال الأكاديمي السعودي ابن سعيّد: "لقد ظن القوم بعد النجاحات التي حققوها في اغتيال (الربيع العربي) أن التطبيع قدر المنطقة، وأنهم قاب قوسين أو أدنى، من تصفية القضية الفلسطينية، لا سيما بعد الاعتراف الأمريكي بالقدس عاصمة للكيان، وبعد ما سُمّي "صفقة القرن"، وظنّوا أنهم (قادرون عليها)، فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا، وبعثر أوراقهم، فكانت معاناتهم بسبب الأحداث أصعب من معاناة نتنياهو منها، وهو ما يؤكده (السّعار) الذي أصاب منصّات الدعاية التطبيعية من الأحداث، وانحيازها بشكل فج وصريح إلى الموقف الصهيوني".  

وأضاف: "لقد ظنّوا أن بوسعهم خنق الربيع في دول عدة خارج فلسطين، فأتى الربيع من فلسطين التي ما خُنق الربيع إلا خدمة لاحتلالها، وإذا بتلك الأرض المحتلة هي التي (تحرّر) الأمة بدلا من سعي الأمة إلى تحريرها، وإذا روح جديدة تسري في جسد الأمة كلها من الماء إلى الماء، وإذا الفلسطينيون في أرض 48 يدخلون المعركة، وإذا العالم كله ينتفض احتجاجا على العدوان، وتعاطفا مع المقدسيين والغزّيين، وكان هذا السيناريو الأسوأ للتطبيع العربي، لا سيما في نسخته الخليجية". 

وطبقا لابن سعيّد، فإن "رد المقاومة كان مفزعا ومحبطا لمحور (الثورة المضادة) لأنه ببساطة يَعدُّ استقلال حماس وقدرتها على التحرك، امتدادا للربيع العربي، ألم تزعق دعايتهم صباح مساء ضد الحركة التي لم تستأذن عباس ولا الأنظمة العربية، في (تحرشها) بالاحتلال، ولا غرو فهي إخوانية مردت على الخروج على ولاة الأمر، بحسب الدعاية، إنه تدبير الله الذي لا تؤمن به ثقافة التطبيع المنسلخة من الإيمان بالله واليوم الآخر" وفقاً لوصفه.


التعليقات (0)