كتاب عربي 21

كيف يظهر "الاختيار2" أزمة النظام وكيف يمكن استثماره؟

فراس أبو هلال
1300x600
1300x600

لا يوجد أسوأ من تزوير التاريخ سوى تزوير الأحداث التي لا تزال جارية، والتي لا يزال ضحاياها يعانون ويدفعون ثمنها من دمائهم ودموعهم. الاختيار2 هو في هذا المجال واحد من أسوأ العلامات في تاريخ الدراما المصرية، وسيسجل كصفحة سوداء في كتاب كل من ساهم فيه من صناع فيلم أو كتاب أو مخرجين أو ممثلين.


برغم كل هذا السوء، ثمة محاسن لهذا العمل -غير الفني- المشين، وثمة ما يمكن أن يبنى عليه لصالح الشعب المصري الذي يستحق أفضل من هكذا نظام قمعي.


أولى محاسن هذا العمل الذي لا يقل إجراما عن المجزرة نفسها، أنه يظهر أزمة النظام. اعتقد الكثيرون بما في ذلك معارضو الانقلاب أن النظام حسم معركته مع الشعب، وسيطر كاملا على "الرواية"، وأنه امتلك زمام الأمر والقوة تماما. لكن إنتاج مسلسل الاختيار2 أكد أن النظام لا يزال يعاني أزمة كبيرة في مجالين رئيسَين هما الشرعية والثقة.

 

كان النظام يؤمن أنه يمتلك شرعية حقيقية بين الناس لما اضطر لصرف الملايين على عمل درامي يسعى من خلاله لتثبيت شرعيته في الحكم، وتحويل الانقلاب في وعي الناس إلى ثورة

لو كان النظام يؤمن أنه يمتلك شرعية حقيقية بين الناس لما اضطر لصرف الملايين على عمل درامي يسعى من خلاله لتثبيت شرعيته في الحكم، وتحويل الانقلاب في وعي الناس إلى ثورة. ولو لم يكن السيسي وأركان حكمه يعلمون أن أغلبية الشعب المصري لا تثق بهم لما اضطر لمثل هذا العمل لإعادة بناء الثقة.صحيح أن كل أنواع الأنظمة تحتاج للدعاية بشكل دائم لكسب المزيد من الشرعية أو الشعبية، ولكن الدعاية عادة تكون عن إنجازات حقيقية أو مزعومة، أو عن انتصارات خارجية، ولكن النظام هنا اختار الدراما لتثبيت رواية يعتقد أنها تخلخلت مع مرور السنوات والفشل المستمر في كافة المجالات.

 


من محاسن الاختيار2 الأخرى أنه كشف ضعف رواية النظام مقابل دم الضحايا، فعلى الرغم من حجم الإنتاج وتكلفته الباهظة واللجوء لنجوم محبوبين للجمهور، إلا أن المسلسل فشل في صناعة رواية متماسكة. شاهدت الحلقة الخامسة المتعلقة بمجزرة رابعة -ولن أتورط بمشاهدة المسلسل كاملا حفاظا على ضغط الدم والأعصاب- فوجدت بعين المراقب أن المشاهد فشلت في صناعة قصة متماسكة، وأنه لجأ للكذب حتى أنه تجاوز كذب الروايات الرسمية المتعلقة بأحداث يوم المجزرة، ولهذا فإن أي مشاهد لديه الحد الأدنى من الموضوعية سيخرج بنتيجة معاكسة لما أراده النظام من إنتاج هذا المسلسل.

 

لجأ للكذب حتى أنه تجاوز كذب الروايات الرسمية المتعلقة بأحداث يوم المجزرة، ولهذا فإن أي مشاهد لديه الحد الأدنى من الموضوعية سيخرج بنتيجة معاكسة لما أراده النظام من إنتاج هذا المسلسل

يكشف المسلسل أيضا مفارقة غريبة، وهي أن النظام الذي لم يعد يعاني من معارك وصراعات داخلية -كما يروج وكما يعتقد الكثيرون- والذي يعيش أزمة أمن قومي وجودية تتعلق بمياه النيل، يشغل نفسه بحرب دعائية حول صراع داخلي، بدلا من توجيه إمكانياته لتوحيد أبناء شعبه -مؤيدين ومعارضين- في مواجهة التحدي الخارجي. إن أهمية هذه المفارقة تكشف حتى لمؤيدي السيسي من أبناء الشعب المصري فشل هذا النظام وعجزه، إذ أن اضطراره لإثارة صراعات داخلية دليل واضح على عدم أحقيته بالحكم، وعلى فشله بمواجهة المخاطر الحقيقية التي تواجه البلاد. تدل هذه المفارقة أيضا على الغباء السياسي للنظام، إذ أن أي ديكتاتور يحتاج لـ"صناعة" عدو خارجي لتوحيد الشعب حوله، فيما يلجأ هذا النظام البائس لفتح صراع مع شعبه في ظل وجود عدو خارجي حقيقي!

 


ومن محاسن الاختيار2 أيضا أنه فتح الباب مجددا للذاكرة الشفوية عن المجزرة الأكبر في تاريخ مصر الحديث، وقد أثار المسلسل موجة من الكتابات على مواقع التواصل الاجتماعي والمشاركات عبر كلوب هاوس لشهود عيان من الناجين من المجزرة، وبهذا "استطاع" النظام الحاكم إعادة الذاكرة الحية للرواية الحقيقية وفشل في تحقيق هدفه من المسلسل.

 

يمكن أيضا أن يستثمر الحدث من قبل أنصار الثورة لكشف فشل النظام في معاركه الخارجية، والبناء على فقدانه للشرعية للمطالبة بتغيير سياساته القمعية من خلال الضغط الشعبي

ما حصل خلال الأيام الماضية من ردة فعل على محاولات تزوير التاريخ كان أمرا جيدا، ولكن المؤمنين بأهمية النضال ضد نظام القمع والانقلاب مطالبون بعمل مستدام لاستثمار الحدث. إن أهم ما يمكن عمله الآن هو البدء بحملة توثيق بالنصوص والفيديوهات والرسائل الصوتية من شهود عيان عبر منظمات حقوقية، ليتحول هذا الجهد إلى كتب ووثائق وأفلام وثائقية تبقى للأجيال القادمة، لضمان وصول الرواية الحقيقية لهم عن الأحداث.

 


وبعيدا عن المجزرة، يمكن أيضا أن يستثمر الحدث من قبل أنصار الثورة لكشف فشل النظام في معاركه الخارجية، والبناء على فقدانه للشرعية للمطالبة بتغيير سياساته القمعية من خلال الضغط الشعبي. إذا كان لجوء النظام لمسلسل درامي كاشفا عن شعوره بأنه لا يزال فاقدا للشرعية وكاشفا أيضا عن غبائه السياسي كما بينّا، فإن المعارضة قادرة على استثمار ذلك بنزع الشرعية عنه داخليا وخارجيا، وكشف فشله في حل أزمات البلاد الخارجية، وبناء إجماع شعبي على ضرورة رحيله أو تغيير سياساته جذريا.

 

twitter.com/ferasabuhelal

التعليقات (3)
حلف غير مقدس
الإثنين، 19-04-2021 11:32 م
الغالبية العظمى من المصريين أيدت انقلاب الجيش على الإخوان فى يوليو / تموز 2013 ، و فوضت السيسى للحرب على (الإرهاب) - أو بالأحرى - الحرب على التيار الإسلامى المعارض ، و دعمت سياساته القائمة على شيطنة الإخوان المسلمين و قمعهم بكل السبل الأمنية الإجرامية ، و القضائية ، و الاقتصادية ، بل بالتشويه الإعلامى المتواصل ، باعتبارهم القوة الأكثر تأثيرا بالشارع المصرى ، و تجييش كافة إمكانيات الدولة لمواجهة الأصوات المعارضة الأخرى وإتهامها بدعم الإرهاب ! فنشأ عن ذلك تحالف غير مقدس بين السيسى و الشعب ، لا يجرؤ أحد من مؤيدى السيسى أو ممن ارتضوا بالتعايش مع جرائمه بحق التيار الإسلامى على التنصل منه ، أو بالثورة مجددا ضد سياسات السيسى الاقتصادية ، و يعلمون يقينا أن الفقر و البلاء الذى يحل بهم يوما وراء يوم هو نتيجة طبيعية لفسقهم و فسادهم المتوارث جيلا بعد جيل ، و ركونهم للظالمين و موالاتهم للطواغيت ، فيمضون مع السيسى و زبانيته إلى هاوية اقتصادية سحيقة ، تقودهم إليها إملاءات صندوق النقد الدولى ، الذى ترتبط توجيهاته و ما يترتب عليها من نتائج بوضع الاقتصاد العالمى المضطرب ، و مخاطر وقوع كساد اقتصادى كبير يفوق الأزمة المالية العالمية عام 2008 !
الكاتب المقدام
الإثنين، 19-04-2021 10:05 م
*** الاهتمام والتركيز الزائد على تمثيلية بعينها يعطيها أكثر من حقيقة دورها التافه، فبعد مرور ما يزيد عن سبع سنوات على جريمة الإبادة التي تمت في ميدان رابعة، فلن تغير تمثيلية سخيفة من المواقف السياسية للذين رفضوا الانقلاب على السلطة الشرعية المدنية، المنتخبة وفقاً لقواعد الديمقراطية الحديثة، وقاوموه ومازالوا، ولن تفيد من قاموا بالانقلاب ودعموه وأيدوا إجرامه من يومه الأول، كما أن تلك التمثيلية ليست إلا جزءاُ متناغماُ مع آلة الدعاية المؤيدة للانقلاب، والمروجة لأكاذيبه ودجله، والمبررة لجرائمه، كما أن الدعوة لتوثيق الجرائم التي ارتكبت في ميدان رابعة في يوم الفض، بمعزل عن أحداث الثورة منذ بدايتها، التي استشهد خلالها أضعاف من سقطوا في يوم الفض، بما في ذلك من قتلوا في ميدان رابعة نفسه قبل يوم الفض، ومن استشهدوا في تزامن معهم كمن سقطوا في ميدان النهضة، وما ارتكب من جرائم القتل العمد التي تلته والتي استمرت لأشهر وما زالت مستمرة، وقد يعطي ذلك انطباعاُ خاطئاُ بأن يوم فض رابعة كان يوماً استثنائياُ، والأولى أن يتم توثيق أسماء الشهداء وما قدموه من بداية الثورة إلى اليوم، الذين لا يوجد حصر لهم حتى اليوم، والواقع أن القتل العمد للمتظاهرين ضد السلطة المستبدة كان نهجاُ لقوات قمع المواطنين، ولا نقول قوات الأمن فهو مسمى خاطئ ومراوغ، ومخالف لطبيعة عملها الوحيد، وأسباب تأسيسها وأغراضها وأعمالها، وهو حماية النظام المستبد ضد المحتجين ضده من الشعب، وتوثيق أعمال الإعلاميين أمر أهون، من توثيق الأحكام القضائية المزورة والملفقة، الصادرة من نظام قضائي يسعى لتجريم الشعب بكامله، وليس ذلك بمستغرب فهم أذرع الجنرال الانقلابي الدجال الكذوب، الذي اتهم كل المسلمين بأنهم يريدون قتل العالم كله، وكل هذه الجرائم المترابطة للعصابة الانقلابية، تدل بوضوح أن مواجهة هؤلاء هو فرض عين على كل مواطن قادر عليه كل بما يستطيعه، وأن ترك العصابة الانقلابية تستأثر بالاستبداد بأمور الشعب، سيؤدي إلى نتائج كارثية، تتضاءل بجانبها كل التضحيات المقدمة في مواجهته، وعلى نسق ما حدث من النظام الناصري الانقلابي، الذي ألقى بجيشه في سيناء، ليقدمهم قرباناً لآلهة بني صهيون، علهم يرضون عنه، ويتركونه على عرشه المغتصب، ثم أخذه رب العالمين أخذ عزيز مقتدر، لينضم إلى المقبورين من قبله ومن بعده من طوابير الطواغيت، واتباعهم الذين أيدوهم في حياتهم، وأغمضوا أعينهم وأوقفوا عقولهم عن إدانة جرائمهم، والشعب المصري مثل غيره من الشعوب يستحق الحكم الصالح، فقط إن كافحوا وجاهدوا من أجل إقامته، وإلا سيندمون حين لا ينفع الندم.
عبدالله المصري
الإثنين، 19-04-2021 06:52 م
فتح السيسي على نفسه باب الجحيم و يجب علينا تعريف العالم و الداخل بجرائم السيسي و خاصة الشعوب لتضغط على القادة التي يعرفون ان السيسي مجرم كما كان يفضحه ترامب و يكون التعريف باعمال مترجمة