قضايا وآراء

الإعلام والسياسة.. حكاية الظالم والمظلوم

أسامة جاويش
1300x600
1300x600
إن أغلقوا بابا، فسيفتح الله لنا أبوابا"..

بهذه العبارة المؤثرة أنهى الإعلامي المصري في قناة الشرق المصرية معتز مطر حلقته الأخيرة كما قال، ليعلن عن توقف برنامجه "مع معتز" ويدخل في إجازة مفتوحة، حتى لا يكون عبئا ثقيلا على الحكومة التركية أو قناة الشرق في إسطنبول. قبلها بساعات قليلة نشر الإعلامي المصري في قناة مكملين محمد ناصر معلنا توقف برنامجه في شهر رمضان المبارك.

انطلقت بعدها أبواق إعلامية سعودية ومصرية لتحتفل بغياب معتز وناصر عن الشاشات، معلنة بذلك انتصارا للنظام العسكري في مصر على اثنين من أبرز الإعلاميين في الوطن العربي. وذهبت قناة العربية لأبعد من ذلك حين نشرت كاذبة ان التقارب بين تركيا ومصر قد توقف، وبأن تركيا لم تستجب لما أسمته الشروط المصرية للتفاوض، وهو ما نفاه الذراع الإعلامي المصري عمرو أديب والذي يعمل في قناة فضائية سعودية.

في كانون الأول/ ديسمبر 2014، استيقظت على مكالمة هاتفية من أحد الأصدقاء المصريين العاملين في قناة الجزيرة مباشر مصر، ليخبرني فزعا بأن قرارا سياديا قد أمر بإغلاق القناة الأبرز والأكثر مشاهدة في ذلك التوقيت، بعد طلب سعودي مباشر من قبل الملك الراحل عبد الله إبان أزمة سحب السفراء بين الدوحة ودول خليجية نهاية عام 2014. في تلك اللحظة كنت أعمل في قناة مكملين الفضائية، ولم يكن قد مر على انطلاقتنا البرامجية أكثر من ستة أشهر فقط.

في ذلك التوقيت، كانت هناك ثلاث قنوات فضائية مصرية تبث من إسطنبول، قناة الشرق ومذيعها الرئيسي معتز مطر، وقناة مصر الآن ومذيعها الرئيسي محمد ناصر، وقناة مكملين وكنت مذيعها الرئيسي في ذلك التوقيت. يومها تحولت مكملين إلى ما يشبه خلية النحل وكان الهدف لدينا واضحا: يجب علينا أن نملأ الفراغ الذي تركته مباشر مصر بشكل عاجل. وبالفعل تحركنا في تجهيز فريق لنشرات الأخبار، وتحدثنا وقتها عن انطلاقة جديدة في الشكل والمضمون لقناة مكملين بعد بداية عام 2015.

تسريبات مكتب السيسي كانت العامل الأبرز في أن تملأ مكملين مكان مباشر مصر بشكل سريع، وأصبحت وقتها هي القناة الأبرز والأكثر مشاهدة، وبدا المشاهد الذي أصابه اليأس بعد إغلاق مباشر مصر يشعر بالأمل، وأنه إذا أغلقوا بابا فتح الله للمظلومين أبوابا من حيث لا ندري ولا نحتسب.

منذ بداية عام 2015 تحولت مكملين والشرق ومصر الآن إلى الأمل الجديد الذي يعيش عليه المقهورين من الشعب المصري، حتى بعد إغلاق مصر الآن وانتقال محمد ناصر إلى مكملين في تشرين الأول/ أكتوبر 2015، أصبح لدى المشاهد الوعي الكامل في أن من يدبر الأمر لن يترك المظلومين دون منابر تنقل أصواتهم وتدافع عن حقوقهم، وقد كان.

أصبح محمد ناصر علامة مميزة لقناة مكملين، يتابعه الملايين بشكل يومي، وأصبح "مع معتز" حديث الملايين أيضا من المحيط إلى الخليج، وفتحت الجزيرة والحوار وغيرها مساحات متخصصة لتناول الشأن المصري. وهذا ما أزعج الجنرال الذي يسكن قصر الاتحادية، فوضع مكملين وناصر والشرق ومعتز على رأس القائمة التي يستهدف إغلاقها وكتم أصواتها.

السياسة تتحكم في الإعلام، هذه حقيقة أثبتتها السنوات السابقة بشكل واضح. في مصر على سبيل المثال كانت السياسة واضحة لدى السيسي وعباس كامل، وهي التحكم الكامل في الإعلام وصناعة أذرع إعلامية تدين بالولاء الكامل للنظام، وتنقل روايته بشكل حرفي لا يحمل تاويلا أو اجتهادا صحفيا. وكانت النتيجة أن أوقف السيسي ونظامه برامج سياسية كثيرة، وأجبر مذيعين على الخروج من مصر أو الجلوس في المنزل. وكان أبرز ضحايا هذا النظام من إعلاميين وصحفيين مقربين منه؛ ريم ماجد ويسري فودة وباسم يوسف ومحمد الغيطي ومحمود سعد ومنى الشاذلي وآخرون، أغلبهم اختار السكوت والرضا بما أمرهم به أو هددهم به النظام السياسي الحاكم.

في الدوحة، أغلقت قطر الجزيرة مباشر مصر لأسباب سياسية، وفي السعودية أوقفوا برامج ومذيعين في روتانا وغيرها من القنوات لأنهم تجاوزوا السقف السياسي المسموح به. هناك من الإعلاميين من رفض أن يكون لسانا ناطقا للسلطة واكتفى بالجلوس في منزله، وهناك من هم أمثال أحمد موسى ونشأت الديهي ومصطفى بكري؛ ممن ليس لهم مبدأ أو قضية واضحة إلا النفاق للحاكم والتقرب من السلطان، فتحولوا إلى عرائس مارونيت تحركها السياسة والقائمون عليها كيفما شاؤوا.

في حالة معتز مطر ومحمد ناصر، القضية مختلفة تماما، فكلاهما تمسك بموقفه منذ ظهورهما على الشرق ومكملين، وكلاهما أعلن عن مبدأ وعمل من أجله بشكل واضح وملموس. أما عن الضغوط التي تعرضا لها فتركيا هي الدولة المضيف ولها سياسة حاكمة ومصالح إقليمية ودولية، ولذلك فإن الحديث عن انتقاد القنوات أو إلقاء اللوم على معتز وناصر فيه الكثير من الإجحاف.

نهاية الأمر هي أن ناصر ومعتز سيعودان قريبا إلى الشاشات، بنفس النهج ونفس اللغة ونفس السقف المرتفع في انتقاد السيسي ونظامه.. يرونه بعيدا ونراه قريبا.

twitter.com/osgaweesh
التعليقات (0)