قضايا وآراء

"كلوب هاوس": غرف افتراضية بعيدا عن المقابر العربية

محمد أمين
1300x600
1300x600
بعيدا عن قصة ولادة تطبيق "كلوب هاوس" وموسم الهجرة إليه من النشطاء لأسباب متعددة، أهمها البحث عن فضاءات حقيقية ورحبة للحوار والنقاش صوتا لصوت دون قيود، وبعيدا عن تقييدات باقي التطبيقات والحكومات التي تضيق عليها نفسها، فإن ما يجري في غرف هذا التطبيق يستحق الدراسة بعناية والتوقف عنده.

تطبيق "كلوب هاوس" فتح قنوات للحوار لم تفتحها كل الفضائيات والمنصات العربية الأخرى، تعرّف الموالون على المعارضين، تحاوروا لأول مرة، تشاجروا، حدث صراخ، ثم عادوا للحوار. ما يجري في غرف التطبيق بتقديري طبيعي بل صحي، المشكلة ليست فيه بل في عقود من الكبت والقمع، وإصرار الحكومات العربية على قمع شعوبها، وشيطنة المختلفين معها في الرأي، إذ حالت تلك النظم السلطوية بين الرأي والآخر، بين مواطن وشريكه في الوطن، فمليون شكرا لـ"كلوب هاوس" ولكل تطبيق يوجد طاولة افتراضية يجتمع حولها المختلفون في حوار، وهو الطريق الوحيد للتعايش والفهم.
تطبيق "كلوب هاوس" فتح قنوات للحوار لم تفتحها كل الفضائيات والمنصات العربية الأخرى، تعرّف الموالون على المعارضين، تحاوروا لأول مرة، تشاجروا، حدث صراخ، ثم عادوا للحوار

وبدلا من أن تتعلم الحكومات العربية من الموجة الأولى للثورات العربية أن تكميم الأفواه لن ينجح، وإنما هو وصفة لتفجير الأوطان، راحت تبحث لدى تل أبيب وغيرها عن تقنيات لاختراق النشطاء وتهكير حواسيبهم وحساباتهم وهواتفهم، والتجسس عليهم، ومن جهة أخرى الضغط على منصات التواصل الاجتماعي من أجل إغلاق حسابات المعارضين، وتسليم بياناتهم لها، كما مضت تلك الأنظمة في غيها في ضخ ملايين الدولارات في تحويل شباب وشابات إلى العمل كذباب الكتروني، بدلا من الاستثمار في العلم عبر تثقيفهم وتأهيلهم لوظائف تنهض بالأوطان. وعوضا عن فتح المجال العام للناس للتعبير عن آرائهم وضمان حقهم في التجمع والتعبير عن الرأي والكتابة والانتماء لأحزاب، واصلت سياسة التنكيل بالمعارضين ووسمهم بالإرهاب، وقتل واعتقال من لم يستطع الهروب قبل أن تصله يد السلطة الباطشة.

لقد لجأ الناشطون مبكرا لفيسبوك في موجة الربيع الأول، لأنهم وجدوا في فضائه الافتراضي فرصة للتعبير والنقاش والتحاور، وعندما غزا ذباب الحكومات ذلك الفضاء راحوا يبحثون عن تطبيقات وفضاءات أرحب للتواصل. وكانت ولادة "كلوب هاوس" فرصة ذهبية وغرفا افتراضية يلتم فيها شمل أولئك الناشطين والناشطات الذين لم تضق بهم أوطانهم، بل ضيّقت عليهم نظم حاكمة مستبدة؛ لم تكتف بمطاردتهم في الميادين والساحات بل لاحقتهم في الفضاءات الافتراضية، منهم من هرب، وكثير منهم في السجون، فيما حولت تلك النظم من بقي منهم على قيد الثورة عدوا لرفيقه السابق في النضال.

إن الأنظمة الأمنية والعسكرية هي التي زرعت الفتنة بين رفاق الميادين الحالمين السابقين، ودست بينهم الضغينة، وقمعتهم جميعا لتتربع وحدها وزمرة ممن يتملّقونها على سدة الحكم.. حولت البلاد لمقابر، وسكنت التلال، فيا شباب "الكلوب هاوس" اتحدوا.
عَلّ ما تفتحه تلك الغرف من آفاق للحوار والتفاهم، يفتح يوما ما بصيص أمل بنهاية تلك الطغمة الحاكمة في بلداننا

لقد كشف "كورونا المستجد" وزمانه كم العقول العربية المهاجرة، فلا يمكنك أن تشاهد فضائية عربية أو أجنبية إلا وترى طبيبا أو طبيبة عربية يتحدث من مشفى أوروبي أو أمريكي، خبراء في قطاع طبي معين أو يترأسون فريقا علميا.. لماذا وجد هؤلاء في أوروبا ملاذا يخدمون فيه؟ ولماذا حُرمت دولهم من خدماتهم؟ الجواب هنا يعيدنا لأصل المسألة وهي الفساد والاستبداد، وهما اللذان فرغا العالم العربي من عقوله، وهجّرا العلماء والنشطاء، ليجمعهم المهجر و"كلوب هاوس"، لأن فيهما مساحة للرأي والنقاش. ففي المهجر حرية، وفي الكلوب هاوس غرف افتراضية لا غرف تحقيق وأقبية تعذيب، وطالما أن هناك قتلة يحكمون فإننا بحاجة لمليون كلوب هاوس، عَلّ ما تفتحه تلك الغرف من آفاق للحوار والتفاهم، يفتح يوما ما بصيص أمل بنهاية تلك الطغمة الحاكمة في بلداننا الجميلة، والغنية، والعريقة، قبل أن يسطو أولئك المرضى النفسيون عليها، وستعود كذلك بعد أن يرحلوا، بإذن الله.
التعليقات (0)