قضايا وآراء

الفنون الجميلة

هشام عبد الحميد
1300x600
1300x600
هالني ما شاهدت في عدد لا يستهان به من الفيديوهات التي تُبّث على يوتيوب؛ في محاولة حثيثة لتصوير الفن والفنانين على أنهم فئة ضارة في المجتمع، وأنهم نبات شيطاني لا بد من اجتثاثه من جذوره، حتى تستقيم الحياة وتتحقق فيها الفضيلة.

لكن في المقابل، أعتقد أن الحياة دون الفن الجيد ستكون فيها صعوبة وإعاقة في تطور الوعي. ومن دون وجود الأعمال الفنية والسينما سنواجه مشاكل كبرى تزيد التخلف والانغلاق.

أعتقد أنه لولا الفن لانتشرت الهيمنة والاحتلال أكثر، ولولا الفن لطال الفساد والتلفيق والفجور واستطال.

يعتمد أصحاب الدعوات لاجتثاث الفن على حوادث فردية، وقعت هنا وهناك ساهمت في نشر صورة سلبية عن الفن. يعتمدون أيضا على حكايات مُرسلة، تم تلفيقها بعناية، حتى تؤدي الغرض المرجو منها. والغرض واضح، وهو تغيير الصورة الذهنية للوعي الجمعي.

تساعد التوجهات والخطط المُراد منها التحشيد ضد الفنانين على إعطاء صورة سلبية تُحط من قيمة الفن والفنانين؛ لإحلال صورة متخلفة ساذجة تعيد المجتمع للعصور المظلمة.

ليس المهم أن تجنح حياة الناس إلى التطرف والتزمت، ومن ثم العنف والفساد والكوارث الناتجة عن الانغلاق والتخلف. إن صورة الفضيلة المشوهة هذه، تُستخدم كشعار تحريضي وسلطوي للسيطرة على عقول الناس وإلهائهم عما هو أخطر وأهم.

لكن بالرغم من محاولة سيطرة هذه الفئات والسماح بانتشارها واستفحال كيديتها، أعتقد أنه ما زال الوعي الجمعي يحتفظ بصورة جميلة عن الفن؛ صورة محببة ولطيفة فيها توق لمساعدة وسماع العمل الإبداعي ولو ضمنيا.

أعتقد أنه برغم كل حالات التشويه والنيل من قيم الفن الرفيعة، سواء كان بالاصطياد في الماء العكر أو بتكبير حوادث فردية، بقي الفن صامدا.

صحيح أن المتزمتين يحرضون ويطلقون الشائعات مستندين لحالات فردية، ولكن ذلك لم ينجح؛ فالتحريض لم يتعد بأفضل الأحوال أن يكون عابرا بعاصمته. ولم تستطع جملة العواصف هذه أن تُشكّل اتجاها قويا؛ يجعل الناس يقفون بالمطلق ضد الفنون وأهلها، ولا يصح أن نسقط هذه الحوادث على المهنة بأسرها.

أقول: مع ذلك يمضى هؤلاء في غيهم. وأقول: بالرغم من أنني ضد نظرية المؤامرة؛ ولكن بدأ الشك يساورني بوجودها، وذلك ليس فقط بغض النظر عن "التيار الأصولي"، بل بالتعاون معه بشكل صريح أو مستتر بنشر الفساد والتجهيل.

عزاؤنا في هذا صمود أهل الفن؛ بل دعم الكثير لإبراز صورة الفنان الحضارية في المجتمع.

هناك أمثله إيجابية كثيرة لفنانين تبرعوا، أو ساهموا في فعل الخير للفن دونما انتظار مقابل.

سيعيش الفن رغم أنف هؤلاء؛ الذين يبحثون عن الظلام ولا شيء غير الظلام.
التعليقات (0)