ملفات وتقارير

ما تداعيات "تقرير خاشقجي" على علاقات واشنطن والرياض؟

استبعد أغلب المراقبين تحولا جذريا في العلاقة، بل تغيرا في أدوات الضغط واتجاهاته- الأناضول
استبعد أغلب المراقبين تحولا جذريا في العلاقة، بل تغيرا في أدوات الضغط واتجاهاته- الأناضول

أثار نشر الولايات المتحدة، أخيرا، لتقرير استخباراتها بشأن مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي، تساؤلات حول مستقبل العلاقات بين واشنطن والرياض، وهدف إدارة جو بايدن من الخطوة.


وفي غمرة ردود الفعل المتوالية من مختلف الجهات والمستويات، وبالعودة إلى نص التقرير، يبرز غياب واضح للمعلومات والأدلة، مقابل التأكيد على تورط ابن سلمان استنادا إلى التحليل والقرائن، وهو ما يعيد فتح أبواب الملف للتكهنات، وربما للمزيد من التطورات.


ووفق التقرير، الذي اطلعت "عربي21" على نصه، فقد استندت الاستخبارات الأمريكية في تقديرها بمسؤولية ابن سلمان المباشرة عن قتل خاشقجي على إحكامه القبضة على صنع القرار في البلاد منذ 2017، و"التورط المباشر لمستشار رئيسي" له، في جريمة الاغتيال المروعة، ودعمه لاستخدام العنف في إسكات المعارضين بالخارج.

وشدد التقرير على استحالة أن تتورط الحكومة أو أطراف فيها بعملية كتلك، دون إيعاز من ابن سلمان شخصيا.

 

وأعقب نشر التقرير فرض واشنطن عقوبات على متورطين في القضية، وإطلاقها سياسة حرمان من دخول الولايات المتحدة، باسم "خاشقجي بان"، ضد كل من يعمل لصالح حكومة في قمع معارضيها بالخارج.

 

لكن استثناء ابن سلمان شخصيا من الاستهداف الأمريكي أثار ردود فعل غاضبة، فيما أكد وزير الخارجية أنتوني بلينكن أن بلاده تريد تغييرا وليس "قطيعة" في العلاقات مع السعودية.

 

اقرأ أيضا: "عربي21" تنشر النص الكامل لـ"تقرير خاشقجي"

وفي حديث لـ"عربي21"، قال أستاذ العلوم السياسية، سيف عبد الفتاح، إن الإجراءات المتخذة من قبل الولايات المتحدة، بناء على ما ورد في التقرير، تبدو "هزيلة" حتى الآن، معتبرا أن ذلك يؤكد تحكم المصالح ومعادلة "خلق التبعية" على القرار الأمريكي.


وذكّر "عبد الفتاح" في هذا السياق باتصال بايدن بالعاهل السعودي، الملك سلمان بن عبد العزيز، قبل نشر التقرير.


وأوضح الخبير السياسي بالقول: "إدارة بايدن ألقت بالكرة في ملعب ابن سلمان، فقد وجه التقرير له الاتهام، على أقل تقدير، ومن ثم فهي تنتظر أن يقوم ولي العهد السعودي بالخطوة التالية، سواء عبر الدفاع أو تقديم رواية أو سردية أخرى".


لكنه استدرك بالإشارة إلى أن السعوديين "لا يمارسون ذلك في العلن"، ويفضلون استخدام المقايضات السياسية والمساومات، ما يفتح المجال أمام مناورات بين الجانبين خلال الأسابيع المقبلة.


"إعادة للتوازن"


وبدوره، قال الباحث في العلاقات الدولية والشؤون الأمنية، عبد الله عقرباوي، إن ما حدث يأتي في سياق مساعي إدارة بايدن "ترميم التوزان في سياستها الخارجية بمنطقة الشرق الأوسط ما بعد ترامب".


وأوضح عقرباوي، في حديث لـ"عربي21"، أن مسؤولي الإدارة الجديدة يرون أن سياسة ترامب مع السعودية "قد أخرجت العلاقة بين الجانبين عن نسقها التقليدي وأن ذلك بحاجة لإعادة ضبط"، لا سيما وأن إدارة بايدن "تضع في أولوياتها إعادة الاعتبار لقضايا حقوق الإنسان كأحد أهم أدواتها في التأثير على دول المنطقة، الأمر الذي لم يلق اهتماما كافيا فترة الرئيس ترامب".


وعليه؛ "من المستبعد أن تشهد العلاقة بين الجانبين تحولات جذرية أو أزمات مستعصية"، وفق تأكيد عقرباوي، مشددا على أن الأمر يكمن في تغير أدوات واشنطن للتأثير على السعودية.


وأضاف: "في نفس الوقت، سيوفر هذا النوع من الضغط على السعودية ضمان التزام الأخيرة ببرنامج إدارة بايدن لإعادة التوازن في علاقات الولايات المتحدة بالمنطقة".


وتابع: "تعد قضية مقتل الصحفي جمال خاشقجي ملفا مناسبا لإحداث الضغط المطلوب على النظام السعودي بما يؤمن فرصة عالية لاستجابة السعودية لمتطلبات السياسة الخارجية الجديدة للولايات المتحدة في المنطقة، بما في ذلك ملف الاتفاق النووي الإيراني والحرب في اليمن".

 

اقرأ أيضا: تقرير الاستخبارات الأمريكية: ابن سلمان وافق على قتل خاشقجي


وأكد عقرباوي أن عملية إعادة التوازن الأمريكية تشمل كذلك، بشكل رئيسي، كلا من إيران وتركيا، معربا عن اعتقاده بأن تستخدم إدارة بايدن "عدة مداخل" لتنفيذ ذلك، وهو السياق الذي يأتي فيه "تقرير خاشقجي"، أي ممارسة الضغط على السعودية للاستجابة للبرنامج الأمريكي الجديد.


وأشار عقرباوي، في هذا السياق، إلى أن "هندسة الكشف عن المعلومات" تتخذ بالاعتبار الأهداف السياسية بالدرجة الأولى.


"قضية خاشقجي بدأت للتو"


واعتبر "عبد الفتاح" أن "مشاهد القصة لن تنتهي بحال من الأحوال بمثل هذه الوثيقة، لكنها بدأت للتو، والسياسة السعودية، فيما يعتبر تقليديا لديها، لا تقوم بأشياء كثيرة في العلن، لكنها تقوم بأشياء خطيرة في السر".


وتعقيبا على تصريحات وزير الخارجية الأمريكية، أنتوني بلينكن، بشأن عدم رغبة واشنطن بقطيعة أو مواجهة مع الرياض، قال عبد الفتاح إن هذا يثبت أن الولايات المتحدة معنية بفتح الأبواب لخيارات متعددة، "إذ إن السياسة هي فن عرض بدائل متعددة.. ولن تحشر أمريكا نفسها في خيار واحد بالعلاقة مع المملكة، يتمثل بالعمل على إقصاء ابن سلمان، ولكنها سترتب خيارات" متعددة، تصب جميعها في مصالحها بنهاية المطاف.


وتابع بأن المداولات بين الجانبين بهذا الخصوص ستأخذ فترة طويلة وأشكالا مختلفة، وسترافقها ضغوط متفاوتة، مؤكدا استمرار نهج الابتزاز في العلاقة بين الجانبين.


وأضح "عبد الفتاح" أن ما أسماه "الابتزاز الترامبي"، نسبة للرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، كان "ابتزازا ماليا"، يتعلق بمقدار ما تدفعه السعودية مقابل ما تتيحه لها الولايات المتحدة فعله، فيما ستقوم إدارة بايدن "بجملة من المواءمات لموقف مركب"، يشمل الضغط على المملكة في ملفات بعينها والحصول منها على تنازلات.


مستقبل ابن سلمان في ولاية العهد


ولم يستبعد "عبد الفتاح" أن تكون من الخيارات المتعددة، المطروحة على طاولة الأمريكيين الآن، إزاحة ابن سلمان، أو على الأقل إجباره على الإفراج عن أفراد من الأسرة الحاكمة، وتمكينهم تدريجيا من العودة إلى مواقع صنع القرار.


وبدوره، وصف "عقرباوي" قضية إزاحة ابن سلمان من ولاية العهد، وموقف واشنطن بهذا الخصوص، بأنها معقدة للغاية.


وذكّر عقرباوي في هذا الإطار بأن تقرير الاستخبارات الأمريكية لا يوجد فيه ما يكفي من أدلة لإدانة مباشرة لولي العهد؛ "وهو الأمر الجوهري في كل مسار قضية خاشقجي".


وأضاف: "فالسؤال الجوهري الذي كان بالإمكان أن يحدث تحولات في المشهد زمن ترامب أو قد يحدثها لاحقا هو وجود دليل واضح قطعي على إدانة ولي العهد السعودي، وهو الأمر غير المتوفر حتى هذه اللحظة".


وفيما يخص إخفاء المعلومات، وفق عقرباوي؛ فإن "كل الاحتمالات واردة ولكن حتى الآن القضية الجوهرية المتعلقة بالدليل القاطع ما زالت مستبعدة نظرا لطبيعة تداعياتها على النظام في السعودية والعلاقة بين الجانبين".

 

 

"مستقبل العلاقة" في الصحافة الدولية

 

وأثارت القراءة في تداعيات نشر تقرير خاشقجي اهتمام العديد من الصحف حول العالم، وسط ترجيحات بأن العلاقة لن تتغير، وإنما "أدوات الضغط" التي تحكمها، وبأن موقع ابن سلمان في ولاية العهد لن يتأثر.

 

واعتبر تقرير لهيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي" أن نشر التقرير "ضربة لهيبة ابن سلمان" وستكون له تأثيرات على التعاملات الغربية مع السعودية لعقود، لكنها استبعدت تغيير ولي العهد، أو حدوث قطيعة بين واشنطن والرياض، لا سيما أن ذلك سيشكل "هدية لإيران".

 

وبدوره، قال موقع "بلومبيرغ" إن واشنطن قد تلجأ إلى واحدة أو أكثر من خمس أوراق ضغط للتعامل مع الرياض بقضية خاشقجي؛ وهي العقوبات، والسلاح، والكشف عن المزيد من المعلومات عن تورط شخص ابن سلمان، وإنهاء الحرب في اليمن، ومطالب دبلوماسية تتعلق بملف إيران النووي.

 

وكان نشر تقرير خاشقجي قد أثار تساؤلات حول تداعياته حتى قبل إقدام إدارة بايدن على الخطوة، الجمعة، وقد استبعد تقرير سابق لـ"فايننشال تايمز" البريطانية أن يعمل بايدن على إزاحة ابن سلمان في ضوء الإعلان عن مسؤوليته الشخصية، لكنها اعتبرت أن هدف الرئيس الأمريكي الرئيسي يكمن في "إنهاء تدليل ترامب وكوشنر، وهو ما منح ولي العهد الإفلات من العقاب على سلوكه المتهور والقاسي وحمله على العودة إلى طريق العلاقات المؤسسية".

 

ورغم ذلك، لم تنكر الصحيفة حساسية الموقف، وصعوبة تجنيب العلاقة بين الجانبين الوقوع في أزمة.

 

وتساءلت صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية كذلك، في وقت سابق، عن إمكانية أن تتضرر العلاقات بين البلدين، مرجحة، في تقرير ترجمته "عربي21" في وقت سابق، حدوث توترات جديدة، لكنها ذكّرت بتعهدات بايدن للرياض، في الوقت ذاته، بمواصلة إمدادها بالسلاح والتعاون معها في "مكافحة الإرهاب".

  


التعليقات (1)
عبدالله المصري
الأحد، 28-02-2021 12:14 ص
العلاقة هي العبد و السيد