تقارير

البذور المؤسسة للشعر الفلسطيني.. أبو الإقبال سليم اليعقوبي

سليم أبو الإقبال اليعقوبي.. كان في طليعة الشعراء الذين قاوموا بشعرهم الأحلام الصهيونية (عربي21)
سليم أبو الإقبال اليعقوبي.. كان في طليعة الشعراء الذين قاوموا بشعرهم الأحلام الصهيونية (عربي21)

في سلسلة البذور المؤسسة لنهضة الشعر والأدب الفلسطيني، ثمة شعراء كانوا غزيري الإنتاج مخضرمي التجربة، يعدّون بحق جسوراً بين مرحلتين من مراحل الشعر الفلسطيني، أبرزهم الشيخ سليم اليعقوبي (1880 ـ 1941).

ولد الشيخ أبو الإقبال سليم بن حسن اليعقوبي بمدينة اللد سنة 1880م. وتعلم فيها ثم انتقل إلى الأزهر الشريف حيث أقام اثني عشر عاماً. وعاد إلى فلسطين سنة 1904، ثم عمل مدرساً للعلوم الشرعية والآداب في سوريا، بعدئذ عُيّن مدرّساً في جامع يافا، فمفتياً لها سنة 1932م (1322ه حسب الزركلي في الأعلام)، نفاه الاستعمار البريطاني إلى الإسكندرية، ولم يتوقف عن الخطابة في مساجدها.
 
كان شاعراً كثير النظم، له علم بالفقه والأدب، وكان يوقع قصائده المنشورة باسم "حسّان فلسطين"، تأثراً بشاعر الرسول صلى الله عليه وسلم حسان بن ثابت، واشتهر بلقبه "أبو الإقبال". وتوفي بمكة بعد تأدية مناسك الحج سنة 1941. 

وعن اسمه ولقبه قال في إحدى الندوات أميرُ البيان العربي الأديب شكيب أرسلان ارتجالاً فيه:
 
باهَت فلسطيـنُ بيعقوبيِّهـا    .. وغدتْ تبثُّ بِنظمِهِ أحزانَها
ماذا أقول به وحسبي جملةً  ..    هذي فلسطينُ وذا حسّانُها

أيّد الحكم العثماني ومدح الخليفة، ولكنه توقف عن تأييده بعد انقلاب "الاتحاد والترقّي" على السلطان عبد الحميد، وانتشار الفساد الإداري والسياسي والاقتصادي وخنق الحريات العامة (إعدامات جمال باشا 1915 و1916)، وإهمال اللغة العربية والتعليم وغير ذلك.. كذلك عانى من الاحتلال الإنجليزي الذي نفاه عقاباً له على جهوده الوطنية..

 

 


طاف في العالم العربي وأكثرَ من زياراته لمصر، وله فيها الكثير من الصداقات الأدبية والثقافية ومع أعلام الشعر هناك كأحمد شوقي وحافظ إبراهيم وخليل مطران، وكانت له منزلته واعتباره في هذه الأوساط، وقد شارك بقصيدة في حفل مبايعة شوقي أميراً للشعراء في قصر الأوبرا، وكذلك في احتفالات تكريم عدد من الشعراء العرب في مصر..

وكان في طليعة الشعراء الذين قاوموا بشعرهم الأحلام الصهيونية المسماة "الوطن القومي اليهودي". وأشاد بكفاح شعبه في الثورة الكبرى سنة 1936، واستنهض الهمم للجهاد ضد الانتداب والصهيونية. فتم نفيه إلى معتقل سيدي بشر في الإسكندرية، فقال في ذلك:

 إني اعتُقِلت وما في الناس من رجل  ..    أشكـو إليـه وهل مثلي له رجـلُ
 نَأى المحبون عني نَأيَ مبغضهـم    ..     عنهـم فلا خل أرجـوه ولا خـولُ
وكنت من قبل لا أحصي لهم عدداً   ..     أيام كان بذكـري يُضـربُ المثـلُ
وأنكرَ القـوم وُدّي حينما علمـوا      ..     أني كيوسف تحت الأرض معتقلُ

كان أبو الإقبال يطيل نفَسَهُ في الفخر و"الحميديات" بحيث تتجاوز القصيدة تسعين بيتاً، ويتناول فيها القيم التقليدية الموروثة. و"الحميديات" فصل من فصول ديوانه الأول "حسنات اليراع" الذي يضم فصولاً بعناوين: الإلهيات والدهريات والحميديات والمدائح العامة والمراثي والتهاني والحوادث الاجتماعية والنبويات.

ومن جميل ما كتبه اليعقوبي في "النبويات" التي جعلها خاتمة ديوانه، أنه اتخذ التخاميس إطاراً لها، كما كان يفعل كثير من الشعراء المتدينين، ومنها قوله:

مهد المجد للرقيّ العلاء
وبنى ذروة السرور الصفاء
وتجلى عن القلوب الهناء
مثلما أنها تجلّت ذكاء
فانجلت على سمائها الظلماء

وقد عاصر اليعقوبي الشيخ يوسف النبهاني ومدحه، ومن مديحه له:

ليوسف الفضل، لا للقائمين على   ..    هدم الشريعة من قاصٍ ومن دانٍ
فصِفْهُ بِالعلمِ لا تخشَ العداة وقل   ..    إن ابنَ هانئ والنبهان سيّانُ


تخضرمت تجربة اليعقوبي ووعيه السياسي ومشاركته في الأحداث في ديوانه «النظرات السبع»، نختار منه:

في فلسطين قصيدي.. ليس بالممتهن
صغته صوغ العقود.. خدمة للوطن
وقصيدي منذ كان.. ذو حكم
وإذا ما خنتم لفلسطين العهود
وعليها جُرتم ونكثتم في العهود
فقريبا تصبحون في عدم

وأذكر أنني أول ما قرأتُ لليعقوبي، كانت قصيدته التي رثى فيها الشيخ عز الدين القسام، ونقلها الباحث سميح حمودة عن مجلة "الجامعة الإسلامية" الصادرة في 25/11/1935، في كتابه "الوعي والثورة ـ دراسة في حياة وجهاد الشيخ عز الدين القسام"، وقوله في مطلعها:

جاهدتَ للحُسنى، وحسبُكَ سيرةً   ..   ذكراكَ دونَ سواكَ بالإحسانِ
لم يخدمِ الأوطان غيرُك عن وفا    ..     فيه، وأين همُو بنو الأوطان
العاملون لها بكل قواهمُ         ..    الثائرون بها على العدوان
ممن تفانوا في هوى استقلالها   ..   في غيرما كذبٍ ولا بهتانِ
ولأنت عز الدين غير مدافع         ..   ولأنت وحدكَ صادق الإيمان

عندما توفي أبو الإقبال سنة 1941، أقيم له مهرجان تأبيني في مصر، شارك فيه عدد من الشعراء، أبرزهم الشاعر خليل مطران الذي قال فيه قصيدة طويلة هذا مطلعها:

فجع القريض وقد ثوى حسّان   ..  وخلا ببيت المقـدس الميـدان
جزعت فلسطين وقبـل رداه لم  ..  يجـزع لرزء قومها الشجعان
أمم العروبة شاطرتهـم حزنهم ..   أمـا بنـوها كلهـم إخـوان
خطب العروبة في "أبي إقبالها" ..    قد عـز فيه الصبر والسلوان
فقدت به العون الدؤوب وربما ..     أغنى إذا ما فاتهـا الأعـوان
من يحكم الإفتـاء بعـد سليمـه ..   وبه الرضـا وإليه الإطمئنـان

رحم الله الشيخ الثائر الشاعر الأديب الفقيه القاضي سليم بن حسن اليعقوبي، فقد كان صوت فلسطين الصادح بين المجاهدين في الداخل، وحجز لها مكانها وأسس صورتها الثقافية في أوساط الشعراء والأدباء في الخارج..

 

*كاتب وشاعر فلسطيني


التعليقات (0)