التايمز: لماذا قرر ابن سلمان التصالح مع قطر؟

اعتبر مراسل صحيفة "التايمز" البريطانية في الشرق الأوسط، ريتشارد سبنسر، أن الانتخابات الأمريكية ربما كانت الدافع وراء قرار محمد بن سلمان، ولي العهد السعودي، إنهاء الخلاف مع قطر.

 

وقال سبنسر في تقرير ترجمته "عربي21" إن ابن سلمان وقادة المنطقة يحاولون تغيير حساباتهم في ظل تغير الإدارة الأمريكية واحتمال تعامل جو بايدن بطريقة قد تحرف ميزان القوة.

 

وأضاف أن استقبال ولي العهد لأمير قطر، تميم بن حمد آل ثاني، كان رمزيا ورسالة إلى مواطني البلدين بأن الخلاف المر الذي استمر ثلاثة أعوام ونصف قد انتهى.

 

وتابع سبنسر بأن الجدل حول دور الإخوان المسلمين وضبط قناة تلفزيونية والعلاقة مع إيران كان مثيرا لدهشة الدبلوماسيين والسياسيين الأمريكيين، علاوة على بقية المراقبين العاديين في الولايات المتحدة.

وجاءت الاتفاقية لإنهاء الخلاف بعدما فرضت السعودية وحليفاتها، الإمارات والبحرين ومصر حصارا بريا وبحريا وجويا على قطر لأكثر من ثلاث سنوات.

 

ويمكن الآن استئناف التجارة والعلاقات الدبلوماسية وستحاول الدول مرة أخرى توثيق الصلات لمواجهة التحديات الإقليمية مثل مواجهة إيران وحل النزاع الإسرائيلي- الفلسطيني، وفق الكاتب.

 

لكن توقيت الاتفاق الذي جاء قبل أسابيع قليلة من تغيير الإدارة في واشنطن لم يكن مصادفة.

 

ومن الواضح مرة أخرى أن الانتخابات الأمريكية غيرت الأحداث في الشرق الأوسط.

 

وأشارت الصحيفة في هذا الإطار إلى تصريحات وزير الدولة للشؤون الخارجية الإماراتي أنور قرقاش الذي قال إن الأطراف تريد تنفيذ الاتفاق "بسرعة وليس ببطء" معترفا أن التفاصيل سيتم الاتفاق عليها لاحقا.

 

اقرأ أيضا: خبراء سعوديون وقطريون عن المصالحة: حد أدنى من التوافق

 

وقال الكاتب إن الهدف من كل ذلك هو السماح بقيام دول مجلس التعاون الخليجي بإعادة اكتشاف صوتها من جديد الذي اختفى بصعود ولي العهد السعودي. 

 

ورغم أهمية التكتل الخليجي، وترميم صفوفه، فإن البعض يشككون في أن سرعة إتمام المصالحة أملته الانتخابات الأمريكية التي أدت لنهاية حقبة دونالد ترامب.

 

ففي السنوات الماضية أثبت ترامب أنه الحليف الأقوى والأقرب لمحمد بن سلمان على الساحة الدولية. وعندما بدأ الحصار في أيار/مايو 2017 بدا ترامب داعما له إلى جانب مواقف الرياض المعادية من إيران وحربه في اليمن.

ولكن بايدن سياسي مختلف ومتناغم أكثر مع المؤسسة السياسية الخارجية الأمريكية التقليدية والتي طالما اتخذت موقفا من دول الخليج.

 

وقال أندرياس كريغ، الأستاذ في "كينغز كوليج" في لندن ومؤلف كتاب "خليج منقسم: تشريح للأزمة"، إن "أهم محفز لكل الأزمة هي واشنطن، أولا من خلال دعم إدارة ترامب للتحرك ضد قطر ومن ثم وضعها الضغوط العام الماضي لحلها". 

ولم يتحدث لا الرئيس ترامب أو محمد بن سلمان بطريقة مفصلة حول الطريقة التي ينظران فيها لبعضهما البعض، ولكن من الواضح أنه ومنذ بداية إدارة ترامب، فقد وجد تقارب في المصالح.

 

وعبر كلاهما عن رغبة بتحويل بلديهما اعتمادا على النزعات الشخصية، وربما كان هناك فرق بين السعودية والولايات المتحدة إلا أنهما اعتمدا على النزعات الشعبوبية المدعومة بالمواقف العدوانية ضد النقاد المحليين.

 

وتم إقناع ترامب، إما من خلال الأمير شخصيا أو وسطاء مثل محمد بن زايد، ولي عهد أبو ظبي، أن السعودية يمكنها تقديم مخرج له من "مشكلة المسلمين" التي كان يقول إنه يواجهها.

 

ووعد الرئيس بالتصدي للمسلمين في حملته الانتخابية لكن وعوده تصادمت مع الواقع وهي أن هناك الكثير من المسلمين والأماكن الغنية التي لا تقيم علاقة قوية مع الولايات المتحدة ولكن مع حزبه الجمهوري.

 

ووعد الأمير بـ "إصلاح الإسلام" ومواجهة جماعات بعينها مثل الإخوان المسلمين التي تدعمها قطر بقوة مما سمح لترامب بالخروج من المشكلة من خلال معاداة "النوع السيء من المسلمين"، ثم قدّر بأن السعودية أهم من قطر.

 

والمشكلة في هذا التفكير، وفق الكاتب، أن المقاطعة لم تنعكس إيجابا على السعودية أو الإمارات أو الولايات المتحدة، فالضرر الذي يمكن لدول الخليج التسبب به لبعضها البعض محدود باستثناء شن الحرب.

 

اقرأ أيضا: FT: تأكيد قطري بأن المصالحة لا تمس علاقاتها مع أي دولة

 

فمن الناحية الاقتصادية تصدر جميع تلك الدول النفط والغاز الطبيعي للعالم وتستورد ما تريد من الغرب والصين ولا يوجد هناك تبادل تجاري إلا في المستويات المحدودة.

 

ولو كان هناك خاسر أكبر، فهي منطقة "جبل علي" في دبي التي كانت نقطة الوصول للبضائع التي تستوردها قطر من الخارج والتي كانت تنقل بالبر عبر السعودية.

 

وأدت الأزمة للتعجيل في إكمال ميناء حمد الجديد في قطر، وفي الوقت نفسه لاحظ الدبلوماسيون الأمريكيون أن منع الطيران القطري من التحليق فوق أجواء الدول المحاصرة عنى أن على طائراتها التحليق فوق إيران لكي تحط في مطار الدوحة.

 

ولم تكن هذه هي النتيجة المرغوبة للسياسة وهي إجبار قطر على اتخاذ موقف متشدد من إيران التي تعتبر عدوا للسعودية والولايات المتحدة.

 

واكتشف ولي العهد السعودي مبكرا أنه لن يحصد منفعة من مواصلة عزل قطر.

 

وقال مسؤولون في المنطقة، وفق "سبنسر"، إن النقطة الرئيسية التي تم إنجازها من هذا الحصار هي أن السعودية والإمارات "سجلتا موقفهما" إزاء ما تعترضان عليه في السياسة القطرية.

 

وقال مصدر خليجي إن "السبب وراء المقاطعة التي أعلنت في 2017 هو شعور الدول الأربع أنها استنفدت كل الخيارات الدبلوماسية وأن هناك حاجة لفعل متشدد لدفع قطر إلى تغيير سلوكها، وهذا الشعور هو الرسالة الضرورية التي أرسلت وتم الاستماع إليها".

 

لكن تغير الإدارة الأمريكية ووعود بايدن بالأخذ على يد السعودية ومحاسبتها على عدد من "الآثام"، من مقتل جمال خاشقجي وحرب اليمن وقمع الناشطين، فإن رفع الحصار الآن أفضل من رفعه بعد دخول بايدن البيت الأبيض حيث ستظهر السعودية بمظهر من تراجع تحت الضغط.

 

وبتصرفه هذا وترامب لا يزال في البيت الأبيض فقد سمح ابن سلمان لجاريد كوشنر، صهر ومستشار الرئيس الأمريكي أن ينسب بعض الفضل لنفسيهما في حل الأزمة، مع رسالة أخرى إلى الإدارة المقبلة أنه لاعب يعتمد عليه بالمنطقة.

 

ويقول كريغ: "تأتي إدارة بايدن بموقف أكثر عداء للسعودية ويبحث محمد بن سلمان وبيأس عن طرق لإظهار أنه لاعب بناء في المنطقة.. فالأزمة الخليجية هي الثمرة الناضجة لولي العهد خاصة وأن حل أزمة اليمن والتطبيع مع إسرائيل يصعب تحقيقهما في الوقت الحالي".