قضايا وآراء

لو لم يجدوا إسرائيل لاخترعوها!

أميرة أبو الفتوح
1300x600
1300x600

يحبس الحكام العرب أنفاسهم، خوفاً ورعباً من يوم وصول "جون بايدن" إلى البيت الأبيض، ويتمنون ألا يجيء يوم العشرين من كانون الثاني/ يناير أبداً، أو تقع أحداث جسام تعوق وصوله، لذلك يروج كتابهم وكتائبهم الإلكترونية، إلى فرضية ضرب إيران في الربع الساعة الأخيرة لولاية ترامب، ما يقلب الموازين رأساً على عقب، ويعقد الأمور، ويستدعي بقاء حبيبهم "ترامب"، في البيت الأبيض..

وفي الوقت ذاته، تجد العديد من الشعوب العربية سعيدة بهذا اليوم، وتتمنى أن تجري الأيام سريعاً للوصول لهذا اليوم المشهود، وكأن الناس في انتظار المخلص لآلامهم وعذاباتهم وقهرهم من حكامهم الطغاة!!

إن هذا لشيء عُجَابّ حقاً؛ فلا "بايدن" هو البعبع الذي يخيف الحكام العرب ويردعهم عن ظلمهم، ولا هو المسيح المُخَلِصّ الذي سينقذ البشرية، ويخلصها من الظلم.. وإنما هو بشر، صنعته أمريكا على عينها ولنفسها ليدير شؤونها وفقاً لمصالحها وأهدافها الاستعمارية فقط، وليس لمصالح الآخرين، حتى الكيان الصهيوني ينضوي تحت تلك المصالح والأهداف، ولا يُسمح له بالتغريد خارجها!

لا تلقي بالاً لما يُقال في الحملات الانتخابية، عن حرية الشعوب والديمقراطية وحقوق الإنسان وما إلى ذلك.. هذه القيم لا يُقام لها وزن في السياسة الأمريكية، وما هي إلا أدوات مكياج لتجميل وجه أمريكا الاستعماري القبيح، والذي أظهره "ترامب" على الملأ، ولكننا شعوب تكره أن ترى الحقيقة الساطعة أمام أعينها، وتهرب من مواجهتها وتفضل أن تعيش في عالم الأوهام! 

إن حالة الحزن والذعر لدى الحكام العرب من قادم مجهول؛ أكد ما هو معلوم بالضرورة، ولكن بشكل فاضح، من أن نظم الحكم في منطقتنا العربية ما هي إلا نظم تابعة للباب العالي في واشنطن، وأنها تأخذ شرعيتها منه، وليس من شعوبها..

ولكننا نحب أن نطمئنهم بأن تلك الإشارات والإرهاصات التي يرسلها "جو بايدن" منذ انتخابه؛ ما هي إلا ضغوط لمزيد من التنازلات، وتجديد فروض الطاعة والولاء، ومن المؤكد أنكم ستكونون عند حسن ظنه، وستجددون البيعة، فلا داعي للقلق من بايدن، فسوف تجدونه الصدر الحنون، بالضبط كما كان حبيبكم "ترامب"، لا فرق بينهما، غير أن الأخير كان يحب أن يظهر هذا العشق جهاراً نهاراً، ولكن الأول يريده خفاءً ليلاً، مثلكم تماماً!

أما ما يدهشني حقاً، فهي تلك الشعوب المغلوب على أمرها، برضاها أو بإرادتها، والتي تتوهم أن "بايدن" سيسقط حكامها المستبدين، وسيجلب لها حياة ديمقراطية في بلدانها، وكأنها في عالم الوهم الذي تعيش فيه، تزيح الحمل عن كاهلها، وتريح نفسها من عبء المسؤولية، وتتركها لمَن عيّن حكامها ونصبهم على سدة الحكم في بلدانها، ونسيت أو تناست (وخاصية النسيان دائما ما تصاحب الواهمين) أن أمريكا هي التي تجهض أي عملية ديمقراطية في المنطقة، بعكس ما تزعم، ولها الريادة في إدخال الانقلابات العسكرية في عالمنا العربي، منذ أن تزعمت العالم بعد انتصارها في الحرب العالمية الثانية، لتُحكم دولنا بالفاشية العسكرية، ضماناً للمصالح الأمريكية وحماية لأمن الكيان الصهيوني.

فليس في صالح أمريكا أن تمتلك الشعوب العربية، إرادتها الحرة، وتختار حكامها في انتخابات حرة نزيهة، بعيداً عن العيون الأمريكية. فوجود أي نظام ديمقراطي في المنطقة يُعد تهديداً وخطراً على الكيان الصهيوني، وكل مَن يجلس في البيت الأبيض، سواء أكان من الحزب الجمهوري أو من الحزب الديمقراطي، يضع أمن الكيان الصهيوني نصب عينيه، ويعمل بتلك السياسة للحفاظ على الوضع القائم في المنطقة العربية. ولنا في انقلاب تموز/ يوليو 2013 خير مثال على ذلك، ولقد كان "بايدن" وقتها نائباً للرئيس "باراك أوباما"، ومؤيداً للانقلاب.

حينما تتكلم أمريكا عن الديمقراطية في الشرق الأوسط، فهي تريدها على هواها، وليس على هوى شعوب المنطقة، تريدها بعيدة عن ديمقراطية صندوق الاقتراع، الذي تعرف تماماً أنه سيأتي بالتيار الاسلامي وبكل ما هو حر، بعيداً عن الهيمنة الأمريكية، وهم لن يقبلوا المساومة على الثوابات الدينية والثقافية والأخلاقية، بينما أمريكا تسعى في ديمقراطيتها المصدرة لغسل ثقافي لكل هذه الثوابت..

وقد عبر عن ذلك كبار المحافظين الجدد، إبان عهد "جورج بوش" الابن الذي زعم أنه ذهب إلى العراق لنشر الديمقراطية ليكون نموذجاً ديمقراطياً للدول العربية، فقالوا: "إذا أردنا نشر الديمقراطية في بلدان الشرق الأوسط، وأن تصل إلى مستوى مقبول ومعترف به في الغرب، فإن على صندوق الاقتراع ألا يمثل قناعات المقترعين الفعلية، بل يجب أن نأخذ ما يتناسب مع القناعات التي يقبل بها العالم الحر والمجتمع الدولي"!!

لذلك رأينا كثيراً من النخب المصرية، ممن يدعون الليبرالية، بعد فوز التيار الإسلامي في الانتخابات البرلمانية، وفوز الدكتور "محمد مرسي" برئاسة مصر، يصيحون بأن الديمقراطية لا تعني  صندوق الاقتراع، وليس هو الطريق إلى الديمقراطية!!

هذه هي ديمقراطيتهم التي بشروا بها الشعوب العربية، ورددها أزلامهم في المنطقة.

لو افترضنا جدلاً أن "بايدن" استجاب لرغبات الشعوب بتغيير حكامها، فلسوف يأتي برؤساء جدد من نفس الفصيلة، وعلى نفس النهج أو الدرب سيسيرون، فغير مسموح لهم بتغيير المسار، وإلا سيلقون مصيرهم المحتوم، كما لقيه الرئيس المصرى الدكتور محمد مرسي، فوظيفتهم حراسة حدود الكيان الصهيوني، وكما يقولون في الأمثال "محمد زي الحاج محمد"..

فيا أيتها الشعوب العربية لا تعقدي آمالاً خائبة على "بايدن".. الحرية لن يهديها أحد، بل الناس سينزعونها ممن اغتصبها منهم، كما حدث في ثورات الربيع العربي.. الطريق إلى الحرية طويل ومليء بالحفر والمطبات ولكنكم في النهاية ستصلون إليه بالتضحيات.
   
واعلموا أن الكيان الصهيوني مشروع استعماري غربي، سرطان يسري في جسد الأمة، زرعوه داخلها لتفكيك دولة الخلافة العثمانية، وتقسيمها إلى دول ودويلات، لتسهل السيطرة عليها وتوجيهها في الاتجاه الذي يتبع مصالح الغرب.

وعليكم أن ترجعوا إلى خطاب "مُخَلِّصكم) السيناتور "جون بايدن" في مجلس الشيوخ عام 1986، لقد قال:

"لقد آن لنا أن نتوقف عن الاعتذار عن دعمنا لإسرائيل، فهي أفضل استثمار بثلاثة مليارات دولار يمكن أن نقوم به، ولو لم تكن هناك إسرائيل لتوجب على الولايات المتحدة الأمريكية أن تخترع إسرائيل لحماية مصالحها في المنطقة"!!

إن "جون بايدن" صهيوني بالسليقة ويفتخر بذلك، ومن الطبيعى أن ينحاز للكيان الصهيوني، بدافع عقيدته الأيديولوجية، فهو لن يغير المسار الذي سلكه "ترامب"، ولن ينقلب على شيء مما فعله، لا في الاعتراف بالقدس كعاصمة أبدية للكيان الصهيوني، ولا في ضم الجولان، ولا في اتفاقيات "أبراهام"، ولا في ضم مغتصبات (مستوطنات) الضفة الغربية، وحينما كان نائباً لأوباما أظهر ولاءه الكامل للكيان الصهيوني، ودوره معروف في تلطيف الأجواء بين أوباما وبين نتنياهو. فعلى الرغم من الخلاف الذي نشأ بين الرجلين، في نهاية عهد أوباما، إلا ان بايدن نجح في جعل الرئيس يوقع على صفقة أسلحة متطورة شبه مجانية بقيمة 38 مليار دولار لتخزن في مخازنهم، في بلدهم الثاني في تل أبيب.. 

إنها سياسة أمريكية لا يملك أي رئيس أمريكي أن يحيد عنها، فقط بعد مغادرتهم للبيت الأبيض ينتقدون تلك السياسة وتأثير الدولة العميقة واللوبي الصهيوني في صنع القرار الأمريكي، كما ذكر "باراك أوباما" في مذكراته "أرض الميعاد" مؤخراً.

ما يؤلمني حقاً، هي تلك التنازلات المجانية التي قدمتها "سلطة أوسلو"، وعودتها للتنسيق الأمني مع الكيان الصهيوني، قبيل استلام "بايدن" مقاليد الحكم وكأنها تستبق مجيئه بمزيد من فروض الطاعة، لعله ينظر بنظرة عطف على الفلسطينيين، ويعيد الحق الفلسطيني، والذي ساهمت تلك السلطة في ضياعه!!

غاية ما سيقدمه ويتكرم به "بايدن" هو الإفراج عن المعونات المالية للفلسطينيين، والتي منعها "ترامب"، ويسمعهم  من جديد أسطوانة "حل الدولتين"، بعدما شرخها "ترامب"، ولكنه لن يقدم جديداً في القضية الفلسطينية..

تسرع سلطة "أوسلو" الآن للتحضير لمفاوضات فلسطينية مباشرة من جديد مع  الكيان الصهيوني، وتوسط دولاً عربية وغربية لذلك الغرض، وتأمل بعقدها برعاية "بايدن"، لتُدخل القضية الفلسطينية مرة أخرى في متاهات ودوامة المفاوضات العبثية، التي لا طائل من ورائها غير مزيد من الخسارة! 


إنها غواية المفاوضات من أجل المفاوضات، التي يتقنها الجانبان جيداً، والتي تحاول سلطة "أوسلو" من خلالها إثبات وجودها، وفي حال استئنافها ستكون مضيعة لمزيد من الوقت وإعطاء الكيان الصهيوني الفرصة، لالتهام ما تبقى من أرض الضفة الغربية!!

ثلاثة عقود منذ توقيع "أوسلو"، والفلسطينيون في حالة تيه،  ولا أحد في "سلطة التنسيق الأمني" يريد أن يعترف بفشل هذا المسار الذي اتبعوه، فهم أيضا مستفيدون من تلك السلطة الوهمية، مالاً وجاهاً..

لن يرجع الحق الفلسطيني إلا بالكفاح، المقاومة هي الطريق الوحيد لقلب الموازين وتغيير كل المعادلات الدولية، فالعالم لا يحترم الضعفاء الأذلاء، فلا تقفوا على باب "بايدن" في الانتظار ليلقي لكم بالفتات!..

twitter.com/amiraaboelfetou

التعليقات (0)