كتاب عربي 21

عن اغتيال "فخري زادة" ودلالاته وتداعياته

ياسر الزعاترة
1300x600
1300x600

من الصعب المرور مرّ الكرام على حادثة اغتيال من يعرف بأنه "أبو المشروع النووي الإيراني"، أي العالم النووي فخري زادة.


لا يتعلق الأمر بأهمية الرجل وحسب، وإنما بمكان الاغتيال، وبالوقاحة الصهيونية فيما يشبه الاعتراف باغتياله، لا سيما أن نتنياهو كان قد ذكره بالاسم خلال عرض عن المشروع النووي الإيراني في العام 2018، وطالب الجميع بأن يتذكروا اسمه.


في البدء، نذكّر من يقرأ هذه السطور، ولم يقرأ لكاتبها من قبل، بأن موقفه من عدوان إيران على الغالبية في المنطقة محسوم تماما.

 

ولا يتعلق الأمر بسوريا، بوصفها المجزرة الأكبر، بل يتعلق بمشروع التمدد المذهبي برمته، والذي يشمل العراق واليمن ولبنان، ويمدّ بصره إلى ما هو أكثر من ذلك، مستعيدا ثارات التاريخ القديمة.


كل ذلك لا يعني أن نردد ذلك الكلام الفارغ حول التحالف الإيراني الصهيوني أو الأمريكي الإيراني، لأن محاربة العدو بالأكاذيب السخيفة ستنفعه أكثر مما ستضره، في ذات الوقت الذي ينبغي فيه التذكير بأن عداء الكيان الصهيوني لا يجعل سلوك من يتبناه صائبا في كل الأحوال، ولو كان الأمر كذلك، لكان على أصحابه أن لا ينسوا بحال من الأحوال موقف إيران المعادي لصدام، والذي تعرّض لاستهداف صهيوني أمريكي أكثر قسوة من الاستهداف الذي تعرّضت له.


ما ينبغي أن يقال ابتداءً على هذا الصعيد، هو أن استهداف علماء المجالين النووي والكيماوي لم يبدأ بإيران، فقد سبقتها العراق ومصر وعدد من الدول العربية، وبالتالي فإن "الفيتو" الصهيوني على كسر ميزان القوى الاستراتيجي في المنطقة، لا ينحصر في إيران، بل يشمل الجميع دون استثناء، حتى تلك الدول التي تبدو أنظمتها قريبة من الكيان راهنا.


السبب بالطبع أن هذا كيان غريب وسط محيط كامل يرفضه، وهو لا يأمن التطورات التالية، وإمكانية تغيير الأنظمة، ولذلك يصرّ على بقاء تفوقه العسكري قائما، ليس في المجال النووي والكيماوي وحسب، بل وفي المجالات العسكرية الأخرى أيضا، وإلا فلماذا كلك تلك الاعتراضات على تزويد بعض الدول العربية ببعض أنواع الأسلحة الأمريكية المتطوّرة؟!


هذا الكلام ضروري هنا، لا لشيء، إلا للرد على "شبيحة" حزبيين وطائفيين ومذهبيين، يحتفلون بقصة العداء الإيراني الصهيوني، كي يزكّوا ما تبقى من مواقف ساقطة في سوريا والعراق واليمن، وهو منطق لا يليق بالإنسانية ولا بالأخلاق.


نأتي إلى الجزء المتعلق بعملية الاغتيال ذاتها، والتي قيل فيها الكثير من حيث الاختراقات داخل إيران.
لا ندافع عن إيران، بل نعمّق النظر حين نقول إنه لا وجود لدولة بمنأىً عن الاختراقات، ويشمل ذلك التنظيمات المسلحة بكل تأكيد.

 

هذا بشكل عام، لكن مع جهاز مخابرات قوي مثل "الموساد"، يصبح الأمر أكثر صعوبة، إذ نتحدث هنا عن جهاز يوظف بشرا من جنسيات لا تحصى، ويملك إمكانات هائلة، بل واختراقات في أجهزة عالمية كبرى، في ذات الوقت الذي يملك الكثير من الحماية من قبل دول كبرى؛ تتصدرها الولايات المتحدة.


هذا الأمر لا يتجاهل بعدا آخر يتلخص في أن تصاعد مستوى الاختراقات؛ إنما يعني أن المجتمع الإيراني قد أخذ يفقد عقائديته، وقناعاته بالنظام ومساراته السياسية والعسكرية والفكرية.


على أن الجانب الأكثر أهمية الذي يستوقفنا هنا، بجانب الآخر المتعلق بتداعيات عملية الاغتيال، هو ذلك السر الكان وراء هذا المستوى من الجرأة غير المسبوقة من قبل الكيان، على الضرب في مدن وعواصم شتى، بل والإعلان بوقاحة عن ذلك، كما في الضربات في سوريا والعراق وسواهما.


إنها سوريا، وقد قلنا منذ سنوات بعيدة، إن الصهاينة هم الذين حددوا مسار الأحداث في سوريا بعد التدخل الإيراني لصالح النظام، حيث وجّهوا كل مواقف الغرب نحو جعلها "ثقبا أسود"، يستنزف الجميع، وفي مقدمتهم إيران وحلفائها، فضلا عن تركيا، والربيع العربي. 


مع نزيف سوريا، كانت العقوبات، وكان نزيف العراق واليمن، وثم لبنان، بجانب "كورونا"، وتدهور أسعار النفط، ما أشعر الكيان الصهيوني، بأن إيران في أسوأ أحوالها، وأنها لن ترد على ضرباته.


على أن المعادلة هنا لم تكتمل إلا بجهد "الثورة المضادة" الذي صعّد الحريق الراهن، وأكمل النزيف الذي طال الجميع، ثم ذهب يعانق الكيان الصهيوني في موجة تطبيع سريعة، أغرته أكثر فأكثر بالمزيد من الغطرسة، لا سيما أن فزاعة إيران قد حضرت في السياق، ثم أضيفت إليها فزاعة تركيا.


الجانب الثاني الأهم في القضية هو المتعلق بالتداعيات.


قيل الكثير عن احتمالات التصعيد والحرب، قبل عملية الاغتيال وبعدها. وقيل إن ترامب يحضّر لضربة عسكرية لمنشأة "نطنز" الإيرانية للتخصيب، وحين جاءت قاذفة (بي-52) العملاقة، تعزز الحديث أكثر فأكثر.


بعد الاغتيال صار الحديث أكثر سخونة، فإيران تهدد بالرد، ويرد ترامب بأن ضرب أي جندي أمريكي في العراق سيواجه برد "ساحق"، فيما يرى كثيرون أن نيته توجيه ضربة عسكرية لإيران قائمة في كل الأحوال.


والحال أن من الصعب الجزم بأمر يبدو محيّرا، حتى لأصحاب القرار، فترامب في وضع لا يسمح له بمغامرة من هذا النوع، على مرمى أسابيع من ترك البيت الأبيض، لا سيما إذا لم تستهدف إيران أي موقع أمريكي، كما أن موافقة الجيش والمخابرات على ذلك تبدو مستبعدة إلى حد كبير.


يبقى احتمال الرد الإيراني وتداعياته.


هنا يمكن القول إن أغلب المؤشرات تقول إن طهران ستبقي على سياسة "الصبر الاستراتيجي"، ولن تتورط في رد يكون مكلفا، لا سيما أنها تعوّل على اتفاق جديد مع بايدن، يستعيد القديم مع (أوباما)، لا سيما بعد أن أكد الأخير نيته على هذا الصعيد، في أول حوار له مع الصحفي الشهير (توماس فريدمان) من "نيويورك تايمز"، رغم أن الأخير كان يجرّه إلى ما يشغل الصهاينة، ممثلا في برنامج "الصواريخ الباليستة الدقيقة"، وهو ما لم يستبعده بايدن، وإن تركه لمراحل لاحقة، ومن ضمن ذلك ما سمّاه بتدخلات إيران عبر وكلائها في المنطقة.


من هنا، يمكن القول إن احتمال التصعيد وصولا لحرب يبدو ضئيلا، بخاصة في القريب، لكنه يبقى واردا، ولا يمكن استبعاده، لا سيما أن أحدا لا يمكنه الجزم بمدى صبر خامنئي على هذا المسلسل من الإهانات منذ ما قبل اغتيال سليماني، وحتى الآن؛ هو الذي يدرك أن عدم الرد قد يغري بخطوات أخرى، لا سيما أن هناك رموزا ليس من السهل تعويضهم أبدا كما تقول تجارب السياسة.


نعود إلى القول "إنها سوريا"، وقد قلنا مرارا منذ 9 سنوات بأن التاريخ سيذكر قرار التدخل العسكري الإيراني في سوريا، كأسوأ قرار تم اتخاذه منذ ثورة الخميني. دعك هنا من توصيفه كجريمة في غاية البشاعة، وكفضيحة للأيديولوجيا المعلنة التي ترفع شعار الحسين، بينما قاتلت هنا في سوريا بجانب يزيد.

4
التعليقات (4)
باقر غلامي
الإثنين، 07-12-2020 07:04 م
الرد الايراني سيكون حاسما على الصهاينة الجناة
عادل راضي
الإثنين، 07-12-2020 07:02 م
اسد رغم كل مثالبه خير من الدواعش الوحوش والاميركان والصهاينة الهمجيين!!!!!!!
مركز رحمة
السبت، 05-12-2020 04:32 م
الصهيوني يقتل بالرصاص، والبعض يقتل بالقلم، الكل بوقاحة وعلى المكشوف
فرص إيران من الربيع
السبت، 05-12-2020 10:52 ص
صحيح، ماذا لو لم تتدخل إيرانستان و حزب الثرثار في سوريا، لكانت الآن المعادلة على الصهاينة أصعب، كان بإمكانها القضاء على العملاء من آل الذل في الخليج ،كان بإمكانها التحالف مع تركيا، كان بإمكانها نيل محبة الله و كل مسلمين العالم