كتاب عربي 21

خسائر بميزانية المصرف المركزي المصري للعام الثالث

ممدوح الولي
1300x600
1300x600

يهدف المصرف المركزي المصري إلى الحفاظ على سلامة النظام النقدي والمصرفي، واستقرار الأسعار في ظل السياسة الاقتصادية للدولة. وحسب قانون المصارف المصري فقد تحددت اختصاصات المصرف المركزي في إصدار النقد وإدارته، وإدارة السيولة النقدية وتنظيم إدارة سوق الصرف الأجنبي، وإدارة احتياطيات الدولة من الذهب والنقد الأجنبي، والرقابة على وحدات الجهاز المصرفي، والإشراف على نظام المدفوعات القومي وإعداد ميزان المدفوعات، والقيام بالخدمات المصرفية للحكومة والوزارات، إلى جانب أكثر من 50 مهمة أخرى.

وتحتاج تلك المهام إلى كيان مالي قوي، حتى يستطيع القيام بمهامه؛ ومنها إصدار الأوراق المالية والأدوات المالية والدخول في عمليات السوق المفتوح لإدارة السيولة النقدية، وإصدار أذون وسندات الخزانة لتمويل عجز الموازنة الحكومية المزمن والمتزايد.

لكن الواقع العملي يشير إلى تحقيق ميزانية المصرف المركزي المصري خسائر في السنوات المالية الثلاث الأخيرة؛ بلغ مجموعها 72.3 مليار جنيه، موزعة ما بين: 31.8 مليار في العام المالي 2017/ 2018، و30.7 مليار جنيه في العام المالي 2018/ 2019، و10.8 مليار جنيه في العام المالي الأخير 2019/ 2020 والمنتهي آخر شهر حزيران/ يونيو الماضي.

وترتب على ذلك انخفاض حقوق الملكية للمصرف المركزي إلى 17.2 مليار جنيه، أي أقل من رأسمال المصرف البالغ 21.6 مليار جنيه، كما تصل حقوق الملكية في المصرف المركزي عند حسابها بالدولار الأمريكي إلى 1.1 مليار دولار فقط.

 

أصبحت حقوق الملكية في المصرف المركزي تقل عن قيمة حقوق الملكية في مصارف خاصة خاضعة لرقابة المصرف المركزي

حقوق ملكية بمصارف خاصة أعلى

كذلك أصبحت حقوق الملكية في المصرف المركزي تقل عن قيمة حقوق الملكية في مصارف خاصة خاضعة لرقابة المصرف المركزي، حيث بلغت حقوق الملكية بنفس التوقيت في المصرف التجاري الدولي 52.4 مليار جنيه، وفي مصرف قطر الوطني - مصر 34.9 مليار جنيه، وفي المصرف العربي الأفريقي 32 مليار جنيه. كما تقل عن حقوق الملكية ببعض المصارف الحكومية مثل البنك الأهلي المصري البالغة 110 مليارات جنيه، وبنك مصر البالغة 66 مليار جنيه وذلك في نهاية حزيران/ يونيو 2019، حيث لم ينشر كلا المصرفين الأهلي ومصر قوائمهما المالية للعام المالي 2019/ 2020 بعد.

كما حققت مصارف خاصة أرباحا بنفس الشهور الاثني عشر الموازية للعام المالي 2019/ 2020، بلغت 11.4 مليار جنيه في المصرف التجاري الدولي، و7.9 مليار جنيه في مصرف قطر الوطني- مصر.

وبالعودة لبعض مهام المصرف المركزي حسب قانونه، ومنها أنه يمنح تمويلا طارئا لأي مصرف يعاني نقصا في السيولة، كما يقدم تمويلا للمصارف ذات الملاءة المالية المنخفضة أو المرجح تعثرها، كما عهد القانون للمصرف المركزي بتوفير العملات الأجنبية لسداد قروض المصارف أو الأشخاص الاعتبارية العامة من الخارج، كذلك فإنه يقدم تمويلا للحكومة لتغطية العجز الموسمي بالموازنة العامة.

وهي مهام يصعب القيام بها مع حجم حقوق الملكية للمصرف المركزي البالغ 17.2 مليار جنيه، حين تذكر بيانات موازنة الحكومة للعام المالي 2020/ 2021 بلوغ احتياجاتها التمويلية خلال العام المالي 988 مليار جنيه، كما بلغت قيمة الإصدارات الشهرية من أذون وسندات الخزانة الحكومية خلال الربع الثاني من العام الحالي 203 مليار جنيه، و200 مليار جنيه شهريا في الربع الثالث من العام.

غالب الاحتياطيات من تقييم الذهب

ربما يقول البعض إن المصرف المركزي رغم خسارته البالغة 73 مليار جنيه خلال السنوات الثلاثة الأخيرة فقد استطاع استيعاب تلك الخسائر، وحققت حقوق الملكية فيه قيمة موجبة في العام المالي الأخير بلغت 17 مليار جنيه. ونسي هؤلاء أن غالب الاحتياطيات لم تكن قادمة من سيولة نقدية، ففي العام المالي الأخير تسببت عملية إعادة التقييم للذهب الموجود في المصرف المركزي ووصول سعر الأوقية 1732 دولار في حزيران/ يونيو الماضي، في إضافة 40 مليار جنيه إلى الاحتياطيات، مقابل إضافة إعادة تقييم الذهب الموجود 11 مليار جنيه أخرى في العام المالي السابق (2018/ 2019).

وهنا تزيد المخاطر في إمكانية تراجع قيمة الاحتياطيات وبالتالي حقوق الملكية، في حالة انخفاض قيمة الذهب الموجود لدى المصرف المركزي إذا انخفضت أسعار الذهب عالميا.

 

تزيد المخاطر في إمكانية تراجع قيمة الاحتياطيات وبالتالي حقوق الملكية، في حالة انخفاض قيمة الذهب الموجود لدى المصرف المركزي إذا انخفضت أسعار الذهب عالميا

ويظل السؤال: كيف يخسر المصرف المركزي وهو يحصل على نسبة من ودائع المصارف كاحتياطي إلزامي فيه بدون فائدة، وهي النسبة البالغة حاليا 14 في المئة من قيمة ودائع المصارف، يقوم بتوظيفها لحسابه. وقد بلغت قيمة تلك الودائع الإلزامية عديمة الفائدة 201.6 مليار جنيه، وهو ما يمثل نسبة 10.5 في المئة من التزامات المصرف المركزي في العام المالي الأخير (2019/ 2020).

كذلك تضمنت التزامات المصرف المركزي في العام المالي الأخير، النقد المُصدر من خلاله بقيمة 650 مليار جنيه والتي تمثل نسبة 34 في المئة من الالتزامات، وهي قيمة لم تكلف المصرف المركزي سوى نفقات طباعة تلك النقود، أي أن الودائع الإلزامية في إطار نسبة الاحتياطي والنقد المُصدر يمثلان معا نسبة 44.5 في المئة من التزامات المصرف المركزي ذات تكلفة زهيدة، فكيف تتسبب تكلفة نسبة 55.5 في المئة المتبقية من الالتزامات في خسارة المصرف؟

انخفاض الفائدة سبب غير كاف

ربما يقول البعض إن انخفاض سعر الفائدة على الودائع لمدة ليلة بنسبة 6.5 في المئة خلال العام المالي 2019/ 2020، من 15.75 في المئة إلى 9.25 في المئة كانت سببا في انخفاض إيراداته بنسبة 10 في المئة عن العلام المالي الأسبق، وهو أمر صحيح جزئيا، لأن انخفاض سعر الفائدة يقلل في نفس الوقت من الأعباء والتكاليف التي يدفعها المصرف للودائع والقروض التى يحصل عليها، بدليل انخفاص قيمة مصروفاته خلال نفس العام المالي بنسبة 19 في المئة.

كما أن خفض الفائدة لم يحل دون تحقيق بيع المركزي للسندات الحكومية إيرادات بلغت 95.7 مليار جنيه خلال العام، كما أن خسائر المصرف المركزي مستمرة منذ ثلاث سنوات حين كانت الفائدة مرتفعة، حيث بلغ سعر الفائدة على الودائع لمدة ليلة 16.75 في المئة في حزيران/ يونيو 2018، و15.75 في المئة في حزيران/ يونيو 2019.

كذلك لم تكن قيمة المخصصات خلال العام المالي الأخير، سببا في زيادة المصروفات حيث أنها بلغت 71 مليون جنيه فقط، كذلك لم تكن الضرائب سببا في الخسارة، حيث أن غالبيتها على أرباح أذون الخزانة والسندات وليست على نشاط المصرف لأنه خاسر.

 

تبقى الإدارة كأحد الأسباب الرئيسية للخسارة، حيث لم تحدث مثل تلك الخسارة في ظل إدارات سابقة للمصرف المركزي، بينما حدثت في ظل تولي المحافظ الحالي طارق عامر خريج كلية الحقوق

ورغم زيادة الأجور إلى 5.3 مليار جنيه ومستلزمات التشغيل السلعية والخدمية إلى 6.3 مليار جنيه، إلا أن الأجور والمستلزمات لم تشكلا معا سوى أقل من 8 في المئة من مجمل المصروفات، بينما كان المكون الرئيسي للمصروفات والذي استحوذ على نسبة 72 في المئة منها، هو تكلفة الودائع والاقتراض والتي بلغت 111 مليار جنيه، بينما بلغ عائد القروض والأرصدة في جانب الإيرادات أقل من 18 مليار جنيه، وهو ما يمثل نسبة 12.5 في المئة من مجمل الإيرادات، وهو ما يعني غلبة نصيب العائد من أذون الخزانة والسندات والتي استحوذت على نسبة 77 في المئة من الإيرادات.

وتبقى الإدارة كأحد الأسباب الرئيسية للخسارة، حيث لم تحدث مثل تلك الخسارة في ظل إدارات سابقة للمصرف المركزي، بينما حدثت في ظل تولي المحافظ الحالي طارق عامر خريج كلية الحقوق، والذى تولى منصبه في تشرين الثاني/ نوفمبر 2015 وتم التجديد له في كانون الأول/ ديسمبر 2019 لمدة أربع سنوات أخرى، رغم حدوث خسارة بميزانية المصرف خلال عامين من فترة توليه الفترة الأولى البالغة أربع سنوات.

والغريب أن تلك الخسائر الممتدة لثلاث سنوات لم تتم الإشارة إليها بوسائل الإعلام الحكومية أو البرلمان أو اتحاد المصارف، رغم أن حدوث مثل ذلك في أي مصرف خاص كان كفيلا بقيام الجمعية العمومية للمصرف بتغيير الإدارة.

twitter.com/mamdouh_alwaly

التعليقات (0)