قضايا وآراء

رسالة غير سرية إلى الصديق "ابن سلمان"

ماهر البنا
1300x600
1300x600
سمو الأمير الملك المحدث/ محمد بن سلمان

بعد التحية و"قبل السلام"

تابعت ما حدث بعد اجتماع نيوم من صخب إعلامي وردود فعل صبيانية، ورأيت أن أكتب إليك لتأكيد وتوضيح بعض الأمور، لكي يتحقق الأمل العظيم من مشروع التحديث الذي تقود إليه المملكة الناهضة. لقد فعل الصديق العزيز مايكل بومبيو ما اتفقنا عليه قبل رحيل إدارة ترامب، وكان لا بد أن يتم وصل حلقات السلسلة ببعضها حتى لا تتعثر خطواتك الشجاعة مع قدوم إدارة جوزيف بايدن الغامضة، وعودة الحديث غير الواقعي عن حل الدولتين.

سمو الأمير.. لقد شعرت بقليل من الانزعاج بسبب غضبك من تسريب المشاركة الإسرائيلية في الاجتماع، خاصة وأن التسريب كان ضمن المتفق عليه تلميحاً عن ضرورة اتخاذ المملكة لخطوة شجاعة في الاتجاه الصحيح الذي يتلاءم مع مشروعك في التحديث العصري لشؤون الحياة وتقاليد الحكم، والانفتاح على العالم بما يناسبه، والخروج من عباءة الماضي الضيقة إلى أفق التعاون مع دول الجوار استعدادا لافتتاح الشرق الأوسط الجديد.

وأنت تعرف يا سمو الأمير أن خطوة "التطبيع" مع إسرائيل على المستويات الفردية لم تعد خافية ولا كافية. فالمهم الآن ليس تبادل الزيارات ونقلها من السر إلى العلن، ولا حتى مواربة الباب للسياحة وتعرف الشعوب على بعضها البعض أو السماح بمرور الطائرات فوق الأجواء الوطنية، هذه كلها مظاهر جيدة، لكن تكفي لتحقيقها شخصيات من صغار المسؤولين والدعاة المتعاونين والمثقفين الوطنيين ومشاهير الفنانين ورجال الأعمال، من أمثال وسيم يوسف وحمد المزروعي وحسين الجسمي ووليد الجاسم ومحمد رمضان وغيرهم كثيرين ينتظرون الفرصة المناسبة، أما أنت يا سمو الأمير بمكانتك وقدرك وقدرتك فوضعك أعظم ودورك أكبر، والمنتظر منكم ليس أقل من فتح المسارات بشجاعة أمام الأتباع المطيعين الذين يثبتون في كل موقف أنهم جاهزون بلا أي تفكير لأن يسلكوا الدروب التي يشقها أو يشير إليها أسيادهم.

لذلك يا سمو الأمير عليك بسرعة الإنجاز والاستفادة من الوقت، لا تفكر في عواقب ليست موجودة ولا منتظرة، التهم موزتك دون خوف من نواة صلبة، فالموز بلا نواة يا أمير، النواة موجودة فقط في رأس الخائفين الحذرين من الأفعال المجربة.

يا سمو الأمير الملك.. الأرض العربية الآن مهيأة للشجعان من أمثالك، حيث لا معارضة قادرة ولا شعوب يقظة ولا اتفاق بين المحكومين على شيء، لذلك يا صديقي الجسور عليك أن تفعلها بشجاعة وإقدام كما فعلت من قبل في موقعة الريتز. إن الكسالى العاجزين يتصورون أن زلزالا سيقوم إذا أقدم حاكم ما على تغيير كبير، ولما تبادر بأي تغيير تشاء وتصدر أي قرار تشاء، تكتشف أن معارضيك حفنة من رمال أو سعال في جدال، فلماذا ترهق وقتك وحساباتك يا سمو الأمير بالتفكير الطويل في اختراع ثلج دافئ. الثلج هو الثلج يا ملك المستقبل، ولا بد لمن يتعامل معه أن يتحمل برودته. لا وقت للتفكير ولا نفع من تحسب ردود فعل الموتى والمستلبين، الشعوب العربية صارت في معظمها موزعة بين زنازين وفتارين، تتنوع أشكال الأقفاص وأسماؤها لكنها تبقى سجون لمن يعارض مشيئة المرحلة ولمن ينساق فيها أيضا.

يا صديقي العزيز شريك المستقبل، أقولها لك بكل صراحة وتأكيد: لا يجب أن نترك أحدا من كان يقف في طريق مشروعنا الجديد القادم بقوة وتدبير، لا يجب أن نترك أحدا يعطلنا عن رسم أقواس قزح مبهرة في سماء الشرق الأوسط الجديد الذي أصبحت أنت واحداً من أهم صناعه وملوكه.

تذكر تاريخ أجدادك يا سمو الأمير، ولا تكترث بمعارضة الحناجر أو حتى معارضة الخناجر، فالمرحلة التي نكرسها بجهودنا المشتركة تجاوزت كل هذا الهراء الصبياني الأهطل. انظر إلى رأس السلطة الفلسطينية الآن بعد أشهر من التصريحات الساخنة التي سعت لتسخين الثلج وإقناع الطيبين بنجاح السلطة في اختراع "ثلج دافئ"، اليوم يعود عباس إلى الحظيرة ليطلب استئناف التنسيق الأمني ضد خصومه في صفوف معارضة الخناجر. ويمكنك أن تسأل نفسك بشجاعة: هل السيد عباس (أبو مازن) أكثر منك شجاعة ومقدرة على مواجهة الحقائق والاعتراف بها؟.. لا أعتقد ولا يصح أن يكون.

تذكر يا سمو الأمير الجهد والدم والمال الذي أنفقته لتختصر الطريق من مجرد أمير هامشي يعيش مطيعا تحت إمرة ملك آخر، وبين وضعك الآن كملك واقعي مطاع تمكن في لحظة شجاعة مخططة من إزاحة كل الأعداء الذين يسدون طريق طموحه.

تذكر يا أمير من ساعدوك في ذلك، وتذكر من أنقذوك سرا وعلانية من مآزق كبيرة كانت كفيلة بالقضاء على طموحك العظيم المستحق، وربما بالقضاء على شخصك الذي يحمل الخير العميم للمنطقة كلها.

إن خطوة الشرق الجديد ستجعلك ملكاً لأكبر مملكة، ستجعلك إمبراطوراً يحكم أكثر من دولة في منطقة مفتوحة تديرها لحساب العالم ولخير الإنسانية والتعاون المنفتح المتحرر من أي عقد نفسية قديمة، ومن أي هويات ضيقة ومن أي عقائد تجاوزها الزمن وتجاوزتها المصالح اليومية للناس.

أنت تنظر معنا إلى المستقبل المشرق المربح وتلمس برؤيتك الواسعة أطراف المجد الذي ينتظرك إذا خلعت أردية التخلف والتكلس وعبرت إلى الفضاء الجديد، فلا تجهد نفسك في حسابات خصومك المغيبين، حتى أن بعضهم ممن يتصدرون أدوار الفكر والتوعية والعمل السياسية لم يجدوا في تأسيسك لقناة "الشرق الجديد" إلا أنها مكايدة وتشويش على قناة معارضة لك تشبه الاسم الجديد.

هؤلاء المعارضون البيزنطيون لا خوف منهم، إنهم غارقون في وحل المرحلة وضيق الرؤية، محدودون بلقمتهم وموقع أقدامهم، حتى أنهم لم يربطوا القناة الاقتصادية الجديدة بمشروع الشرق الأوسط الجديد الذي تحمل اسمه. فمشروع بهذه الضخامة لا بد له من منابر جديدة كثيرة تبشر به وتجمع الصفوف من أجل نجاحة وجذب الأموال والرجال إليه. ولا شك في أن هذه الفهم القاصر المحدود في صالح مشروع المنطقة المفتوحة التي تستحق أن تتصدر فيها الصفوف بقدرتك على المبادرات الشجاعة، وعدم تأخير ما يجب أن يكون، وما سوف تذهب إليه بعد ذلك مضطرا بمكاسب أقل.

وقبل أن أختتم رسالتي أحب أن أطمئنك بأن ردود الفعل المعارضة للتطبيع التي صاحبت نشر صور الفنان المصري الشعبي محمد رمضان لا علاقة لها بمعارضة مشروعنا العظيم. بالعكس، هي ضربة كبيرة لنقل القضية من صحف السياسة ومواقف الساسيين على الشارع الواسع. سيبدأ الأمر بموقف إعلامي ونقابي وضجة لن تؤدي إلا لمزيد من الانقسام بين الناس الضائعين المخدوعين بإعلام موجه يتم التحكم فيه لصالحنا.

وأظنك تعرف أن كل هذا الصخب مفيد جدا لتطبيع الوضع الجديد الذي نجحنا فيه، وسننجح فيه أكثر عندما نعمل معاص بجلاء وبدون حساسيات معطلة. وأظنك تعرف أيضا حجم التعاون التجاري والمالي بين إسرائيل ومصر سواء على مستوى الأفراد أو مستوى الدولة. فالرئيس المصري الشجاع الواعي بمصالح بلاده تحدث مباشرة عن السلام الدافئ وأبدى استعداده لبذل كل الجهود لتوسيع كامب ديفيد، وبشّر شعبه بالنجاح في اتفاقية تصدير الغاز عن طريقه ويتعاون بكل شفافية وإخلاص مع إسرائيل، فهل يتسق ذلك مع بيان لنقابة مهن تمثيلية يكرس وضعية الفصام بين الشعب والدولة ويستند في عقوبته (التي سيتم التراجع عنها قريبا بعد تبرع مالي) إلى موقف شعبي وقرار نقابي لا يتصادم مع تصبيع الدولة نفسها؟!

هذا الفصام مقصود ويخدم تطبيع الوضع الجديد، خاصة وأن الشعوب عندكم بلا دور ولا تأثير في القرارات المصيرية، من يتحكم ويصنع المسارات هم الحكام الشجعان من أمثالك وأمثال أجدادك الذين أبدوا تفهماً صنع أمجادهم وأمجاد أحفادهم، وبالتالي ليس أقل من أن يحافظ الأحفاد على ذلك المجد وذلك الفهم، فالعبرة في منطقتكم بقرارات الحكام.

فأرجو أن تريح نفسك من محاولة اختراع الثلج الدافئ، فليست هناك غانية شريفة كما زعم سارتر، هناك غانية تدعي أنها شريفة، فافعل ما يتوجب وأصدر التعليمات لرجالك بأن يصفوا فعلك بما تحب أن يوصف به، المهم أن تسرع باتخاذ القرارات الشجاعة المربحة، وبقدر سرعتك في اتخاذ القرار ستتيسر لك فرصة لائقة لقيادة من سبقوك إلى الواقع الجديد، الذين تجرأوا على إشهار طبيعة عملهم في "كازينو الشرق الجديد" بدون خوف من شعب ولا خجل من تاريخ ولا تشكك في المستقبل.

أشكرك على الاستضافة الكريمة، وأنتظر اليوم الذي تقبل فيه دعوتي هنا في قلب الأرض الموعودة.. "أرض إسرائيل"، وأرضكم بالمناسبة ليست خارجة عنها.

فإلى لقاء علني قريب

توقيع:

ابن عمك المخلص/ بنيامين بن صهيون نتنياهو
التعليقات (0)