كتاب عربي 21

القاعدة وإعادة بناء سردية الإرهاب

حسن أبو هنية
1300x600
1300x600

لا يشكّل خبر وفاة أو مقتل أحد قيادات تنظيم القاعدة حدثاً فريداً ومستغرباً، منذ أن أصبحت القاعدة منظمة تجسّد مصطلح الإرهاب العالمي، مع دخول العالم عصر الإرهاب بعد نهاية الحرب الباردة، وتحول القاعدة إلى هدف مفضل لسياسات حرب الإرهاب المعولمة.

لكن مصطلح الإرهاب يقع في صلب سردية تُعيد بناء الواقع السياسي والصراعات الجيوسياسية. وقد شاع مؤخراً نبأ وفاة زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري، وخبر مقتل نائبه أبو محمد المصري، وهي أخبار بصرف النظر عن صحتها ومصداقيتها تسعى إلى إعادة بناء سردية الإرهاب في الشرق الأوسط، التي دفع بها الرئيس الأمريكي المهزوم بالانتخابات دونالد ترامب إلى حدودها القصوى؛ بتحديد معسكر الإرهاب بمحور الجمهورية الإيرانية الشيعية والمنظمات الجهادية السنية، وتحديد معسكر السلام بإسرائيل والدول المطبعة معها.

لا جدال في أن فوز جو بايدن في الانتخابات الأمريكية شكّل قلقاً بالغاً لتحالف التطبيع الإسرائيلي، الذي يخشى أن ينقض بايدن غزل ترامب ورؤيته المتطرفة للمنطقة. فتوجهات بايدن ومواقفه واضحة تجاه إيران والقضية والفلسطينية والأزمة الخليجية، بالعودة إلى نهج السياسة الأمريكية التقليدية تجاه المنطقة.

 

 

فوز جو بايدن في الانتخابات الأمريكية شكّل قلقاً بالغاً لتحالف التطبيع الإسرائيلي، الذي يخشى أن ينقض بايدن غزل ترامب ورؤيته المتطرفة للمنطقة. فتوجهات بايدن ومواقفه واضحة تجاه إيران والقضية والفلسطينية والأزمة الخليجية، بالعودة إلى نهج السياسة الأمريكية التقليدية

وتعبّر الأخبار التي نقلتها صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية حول مقتل الرجل الثاني في تنظيم القاعدة أبو محمد المصري في إيران، يوم السابع من آب/ أغسطس الماضي على يد عملاء إسرائيليين، بناء على طلب من الولايات المتحدة، عن قلق إسرائيل من انهيار سردية المخاطر في المنطقة التي تجمع بين إيران والإرهاب، والتي بنيت على أساسها تحالفات الشرق الأوسط الجديد زمن ترامب، بإعادة تعريف حلف التطبيع لإسرائيل كصديق في مواجهة إيران كعدو.

إن الرسالة خلف خبر مقتل المصري شديدة الوضوح، بالتأكيد على أن إسرائيل هي القوة الإقليمية القادرة على محاربة الإرهاب في المنطقة، الذي يتجسد بإيران والقاعدة، وأن إسرائيل لديها القدرة والخبرة للتعامل مع مصادر الخطر الإرهابي في المنطقة، وأنها قوة تتفوق أحياناً على أمريكا في مجال حرب الإرهاب، حيث يشير خبر مقتل المصري إلى رجل خطير عجزت أمريكا عن قتله، بينما تمكن عملاء الموساد من قتله بسهولة. فقد أكّد مسؤولون استخباريّون أمريكيّون للصحيفة أنّ عبد الله أحمد عبد الله "قُتِل بالرّصاص في شوارع طهران"، على يد شخصين كانا على درّاجتَين ناريّتين، وأن العملية أسفرت أيضاً عن مقتل ابنة المصري مريم، وهي أرملة حمزة ابن زعيم التنظيم السابق أسامة بن لادن.

 

 

الرسالة خلف خبر مقتل المصري شديدة الوضوح، بالتأكيد على أن إسرائيل هي القوة الإقليمية القادرة على محاربة الإرهاب في المنطقة، الذي يتجسد بإيران والقاعدة، وأن إسرائيل لديها القدرة والخبرة للتعامل مع مصادر الخطر الإرهابي

وفي معرض تضخيم قدرات المصري، يشير الخبر إلى أنه نائب الظواهري، وتنقل عن وثائق لمركز مكافحة الإرهاب الأمريكي تعود لعام 2008، أنّ "أبو محمد المصري"، كان "الأكثر خبرةً والأكثر قدرة على تنظيم عمليّات استراتيجيّة، من بين الإرهابيّين غير المعتقلين لدى الولايات المتّحدة أو أحد حلفائها"، وأن الولايات المتحدة الأمريكية وجهت لعبد الله أحمد عبد الله، المعروف باسمه الحركيّ "أبو محمد المصري"، الاتّهام بشنّ هجمات على سفارات أمريكيّة في كينيا وتنزانيا عام 1998، خلفت 224 قتيلا وأكثر من 5000 جريح. وأضافت الصحيفة أن السلطات الفيدراليّة الأمريكيّة عرضت مكافأة قدرها 10 ملايين دولار، مقابل أيّ معلومات تؤدّي إلى القبض على هذا الرجل الذي يُعدّ أحد زعماء تنظيم القاعدة.

في الإطار ذاته، تداول نشطاء تغريدة للصحفي في صحيفة "نيويورك تايمز" حسن حسن، قال فيها إن لديه معلومات تفيد بوفاة زعيم تنظيم القاعدة، أيمن الظواهري، بشكل طبيعي بمكان مخبئه الشهر الماضي، مشيراً إلى أن مصادر مقربة من تنظيم "حراس الدين" التابع للقاعدة، أكّدوا الخبر.

وبصرف النظر عن صحة خبر وفاة الظواهري من عدمه وهو الأرجح، فقد شطح خيال حلف التطبيع في صياغة الخبر، فإذا كان خبر مقتل المصري قد صيغ بعناية فائقة لإعادة بناء سردية الإرهاب في المنطقة. فقد كان نبأ وفاة الظواهري فضيحة مضحكة، حيث أعلن المعارض القطري، خليفة الغفراني المري، عبر حسابه بموقع "تويتر"، وفاة زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري في مقر إقامته بالعاصمة القطرية‏، وأضاف في تدوينه أخرى أن "أيمن الظواهري هو صندوق أسرار النظام القطري، وليس مستبعداً إطلاقاً أن النظام القطري هو من قام بتصفيته في مقر إقامته بالدوحة، ولنستذكر أبرز العمليات التي نفذها الظواهري للنظام القطري، هي عملية نقل القاعدة الأمريكية من السعودية إلى قطر، تحت مسمى أخرجوا المشركين من جزيرة العرب".

 

العلاقة بين إيران والقاعدة معروفة لدى الإدارات الأمريكية المتعاقبة، وهي علاقات براغماتية مفهومة في سياق الصراعات الجيو استراتيجية، كما أن تنظيم القاعدة في زمن الظواهري لم يعد سوى ظل لما كان عليه في عهد أسامة بن لادن، فهو مفكك ويفتقر إلى الجاذبية

لم ترد قطر على سخافة ربطها بوفاة الظواهري، ذلك أن تصديقها يتطلب خيالاً خصباً لا يستسيغه نزلاء المصحات العقلية، رغم أن ترامب زعم أنه صدّق مبكراً سردية حلف التطبيع برعاية قطر للإرهاب. أما إيران، فقد اعتبرت تقرير صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية حول اغتيال المصري، عبارة عن "معلومات مختلقة". وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، سعيد خطيب زاده، في بيان، إن "واشنطن وتل أبيب تحاولان، كل حين وآخر، إلقاء المسؤولية (على الآخرين) عن الأعمال الإجرامية لهذا التنظيم وتنظيمات إرهابية أخرى في المنطقة، وربط إيران بتنظيمات كهذه من خلال الأكاذيب وتسريب معلومات مختلقة إلى وسائل الإعلام". وجدد خطيب زاده نفي إيران وجود أي عناصر من القاعدة على أراضيها، داعياً الإعلام الأمريكي إلى "عدم الوقوع في فخ السيناريوهات الهوليوودية للمسؤولين الأمريكيين والصهاينة".

خلاصة القول أن خبر مقتل المصري ونبأ وفاة الظواهري، يقعان في سياق إعادة بناء سردية الإرهاب في الشرق الأوسط، التي دفع بها ترامب إلى غاياتها القصوى.

ويبدو أن إسرائيل وحلفاءها من المطبعين العرب قلقون من انهيار التحالفات التي بنيت على أساس هذه السردية مع مجيء بايدن. فالعلاقة بين إيران والقاعدة معروفة لدى الإدارات الأمريكية المتعاقبة، وهي علاقات براغماتية مفهومة في سياق الصراعات الجيو استراتيجية، كما أن تنظيم القاعدة في زمن الظواهري لم يعد سوى ظل لما كانت عليه في عهد أسامة بن لادن، فهو مفكك ويفتقر إلى الجاذبية، وحلّ مكانه تنظيم الدولة.

 

twitter.com/hasanabuhanya

التعليقات (2)
ابو عبدالله القرشي
الثلاثاء، 09-03-2021 05:35 م
اظن ان التلميع بصفيح صديء لا يجدي، وأن علاقة القاعدة وإيران لا يمكن أن تنكر، وتحالف قطر والقاعدة أيضاً مؤكد وإن قطر من كان يتحكم بشراذم القاعدة في سوريا، وما اتفاق المدن الأربعة إلا نموذج بسيط، للاسف دكتور حسن فقدت الكثير من الحياد لصالح قطر.
الغول
الإثنين، 16-11-2020 11:33 ص
تحليل جيد، ذكرني بعصابة عسكر الكوكايين في الجزائر كانوا كل شهرين يقولون الإرهابي "زيتوني " مات ينما كان بائع الدجاج في ثكانات المخابرات