قضايا وآراء

الانتخابات الأمريكية في ميزان المنطقة وأسواق النفط.. هل من تغير قادم؟

محمد موسى
1300x600
1300x600
نقف على بعد أيام معدودات لظهور الرئيس الجديد للولايات المتحدة من جهة والعالم برمته من جهة أخرى، في انتخابات غير عادلة بالشكل والمضمون. فشكليا هل يجوز لاثنتين وخمسين ولاية أمريكية أن تقترع عن مئتي دولة ذات سيادة؟ فالحقيقة تقول إن أمريكا ويدها الطولى تضرب وتستطيع أن تغير معادلات في كل دول العالم دولة دولة، حتى أنه لا يكاد يغيب رأسها حتى يطل ذنبها في أصغر تفصيل، وذلك على اختلاف الدول وأحجامها. وكأني بالسفير الأمريكي المعتمد لدى معظم دول العالم (إن لم نقل كل العالم) بات كمندوب سامٍ يتدخل في الشاردة والواردة. وفي حال ظهور أمر أدق وأخطر، دخل الموفدون الأمريكيون بأدوارهم المتراوحة بين العامل الإيجابي والسلبي أحيانا أخرى، وبتطور الأحداث يحضر سيد الدبلوماسية الأمريكية ليهندس نوعية الجزرة المعروضة على الدول كمكافأة أو العصا ومدى غلظها لدول مارقة في وجه الرؤية؛ وربما الحلم الأمريكي الذي يعنيه في بعض الأحيان خط حدودي هنا ومدير مرفق عام هنا وربما أقل هناك.

أمريكا في كل مكان

أما في المضمون، فلقد أظهرت حمى الانتخابات الأمريكية في زمن العولمة المتوحشة التداخل الحاصل بين العالم بشتى دوله في صلب العملية الانتخابية الأمريكية، فأضحى الحديث عن روسيا وقدرتها الفائقة في لعب دورٍ في تزوير الانتخابات والتدخل الالكتروني مثار جدل بين العجوزين ترامب وبايدن.

وليس بعيدا، كانت كوريا الشمالية وقائدها الأسطوري وقنابلها عنوانا رئيسيا في كلتا الرؤيتين للرجلين المتعبين من كيم وأفعاله النووية المقلقة وعلاقته مع الصين وروسيا وحقوق الإنسان؛ التي متى شاء الأمريكي استعملها ومتى شاء أغفلها بحسب المصلحة والدولة. فالإرهاب الإسرائيلي مبرر تحت ذريعة الأمن، أما الكثير مما تبقى فهو إهانة لحقوق الإنسان. بالمناسبة، هل تعتبر الإدارة الأمريكية الفلسطينيين وغيرهم من المظلومين والمتضهدين في أنحاء المعمورة من جنس البشر؟!

إيران في صلب الانتخابات الأمريكية

وعلى المقلب الإيراني، فيبدو أن الأمريكي حاضر في الحديث اليومي للإيرانيين، وكأني بطهران تنتظر الانتخابات الأمريكية بفارغ الصبر، وربما أكثر بكثير من بعض الأمريكيين الذين لا يلقون بالاً لمن في السلطة ومن يسكن البيت الأبيض. إنك لتكاد تصدم عندما ترى الإعلام في سائر المنطقة يقف عند حاجز الثالث من تشرين الثاني/ نوفمبر، ليحدد ماذا سيجري في إيران في الأيام والسنين القادمة في لعبة تراجيدية غريبة الأطوار.

فأي يكن الفائز في السباق إلى البيت الأبيض (بانتظار الفرز المضني والمراجعات القضائية القادمة في العد والفرز والنتائج وإعادة الولايات المتأرجحة)، فإن سيد البيت الأبيض الجديد سيكون عليه مواجهة إيران، وذلك دفاعا عن المصالح الأمريكية، مرورا بأمن إسرائيل ووصولا إلى أمن الحلفاء لتعظيم الفاتورة المقومة بالمليارات من الدولارات، وليس أدل على ذلك من ولاية الرئيس الحالي ترامب وجولاته المكوكية لجلب المال يمنة ويسرى.

لقد بات واضحا أن التعاطي مع إيران محكوما بالتفاوض من الأمر الجلل في إعادة الاتفاق النووي وصولا إلى الاتفاق على القطعة في كل مشهد في المنطقة الممتدة من اليمن وصولا إلى غزة عبر بغداد ودمشق وبيروت، مضافا إليها الرؤية بعيون أمريكية لمباركة صفقة القرن عبر ترامب، أو النظرة المشابهة لبايدن مع اختلاف العبارات والأساليب، علما أن المحصلة واحدة وهي انصياع الجميع وإلا عواقب الأمور والويل والثبور.

إنها لعبة اعتاد العالم وإيران رؤيتها، فمنذ أكثر من أربعين عاما والإيراني حاضر في لعبة الانتخابات الأمريكية، ولكن هل تغير شيئ في الجوهر بين الدولتين؟!! وهل وجود رئيس جمهوري شديد أو ديمقراطي صلب غيّر المعادلات في حالة الستاتيكو القائمة على إدارة أحداث المنطقة المتداخلة بين لغة المصالح والجغرافية السياسية المحيطة بإيران، من أفغانستان إلى العراق وسواهما، والتي تتغير بحكم الظرف والبيئة والجغرافية لا في تفاصيل الأنظمة وامتداداتها.

لا تنتظروا تغيرات جذرية

وبعين المراقب نرى أن الذين ينتظرون تغيرا كبيرا في السياسة الأمريكية الخارجية لن يجدوا سوى سراب، فالطائرة البوينغ لا تستطيع تغيير مساراتها بسهولة، وتاليا هي تغير جزءا من المسار بأبطأ ما يكون، وكذا السياسة الخارجية الأمريكية. فالرؤية الاستراتيجية والبعيدة المدى ثابتة حتى ظهور مصالح كبرى مستجدة لتعديل شيء ما.

وعليه، كما جاء في حكم القاضي في الأفلام المصرية "يبقى الوضع على ما هو عليه وعلى المتضرر اللجوء إلى القضاء"، ولكن على الدوام خلف القضاء ومجلس الأمن والأمم المتحدة والناتو وسواها؛ لا أحد إلا الولايات المتحدة بقوتها وجبروتها وعصاها وجزرتها حتى إشعار آخر، وما المسارات الأخيرة في المنطقة إلا دليل واضح لما هو قادم بغض النظر عمن يقسم اليمين في كانون الثاني/ يناير 2021 القادم.

أسواق النفط بين الاقتصاد الأخضر وقوة الاقتصاد الأمريكي انتخابيا

أما أسواق النفط القابعة تحت رحمة كوفيد 19 الذي يضرب في موجته الثانية، فمن الواضح أن للرجلين مواقف متباينة من الرؤية النفطية، حيث بايدن الميال إلى حلحلة في العقوبات على الدول النفطية من إيران إلى فنزويلا، مع تعاطٍ مختلف مع أوبك من جهة ودعم الاقتصاد الأخضر وإحياء اتفاقية المناخ التي انسحب منها ترامب من جهة أخرى، في حين أن ترامب وإن دخل مفاوضات فسيكون مسارها محدد ولا عودة لأية اتفاقية تضر بالاقتصاد الأمريكي، وإن على حساب كوكب الأرض برمته، وبالتالي كل الولايات المعنية بالإنتاج النفطي الأمريكي على موعد مع نتيجة الانتخابات الحساسة على مسارها في قادم الأيام.

وعليه وعلى أعتاب نتائج اجتماعات أوبك بلس القادمة التي ستخلص حكما إلى عدم زيادة المعروض من الإنتاج، والمحافظة على سياسات التقشف الإنتاجي لمواجهة ضعف الطلب وزيادة المعروض وتخمة المخزونات الممزوجة مع الركود الاقتصادي العالمي من الصين إلى أوروبا المنهكة، مضافا إليها الحديث عن خسائر في اقتصاد العالم التي تفوق 12 تريليون دولار، لا بد أن يكون كارتل النفط الأمريكي أحد العوامل الحاسمة في مسار السياسات الاقتصادية العالمية والداخلية الأمريكية، علما أن قطاعات النفط الأمريكي خسرت ما يفوق 103 آلاف وظيفة خلال كورونا، وهبط إنتاجها إلى قرابة سبعة ملايين برميل يوميا، بخسارة ما يقارب 30 في المئة من الإنتاج المقدور عليه.

وفي المحصلة، إن جل ما يعني الناخب الأمريكي الذي انتخب عوضا عن العالم كله الثلاثاء الماضي (3 تشرين الثاني/ وفمبر 2020) هو رؤية الاقتصاد الأمريكي يعود إلى سابق عهده، وأن تعود الحركة إلى طبيعتها بعد كورونا الذي فعل فعله في العالم، ولعله أحد العوامل الحاسمة في الانتخابات الأمريكية وربما نتيجتها نفسها.

أما نحن في المنطقة العربية ولبنان تحديدا، فأي يكن الفائز بعد الجدل القادم حول النتائج وانعكاساتها في الداخل الأمريكي وفي الخارج، علينا أن نحضر أنفسنا لمزيد من سياسات أمريكية ميزتها الانحياز إلى إسرائيل جملة وتفصيلا، من الضغط الاقتصادي إلى العقوبات المتنقلة، مرورا بملف الترسيم الذي سيشكل مادة دسمة لمحاولة تمريره بالصيغة المقبولة إسرائيليا في المقام الأول، خاصة أن الإسرائيلي يريد القضم من الثروات بشتى الطرق.

كذلك لا بد لنا من السعي، مسيحيين ومسلمين، للحفاظ على ما تبقى من هوية وطنية عربية مسيحية إسلامية لبقاء القيمة الأهم في نقض المشروع العنصري الإسرائيلي عبر التعايش والعيش الواحد، خاصة أننا في زمن الركض للحفاظ على ما تبقى من إرث المغفور له الملك عبد الله بن عبد العزيز في مبادرة عربية للسلام يحفظ القليل من ماء الوجه.
التعليقات (0)