كتاب عربي 21

سيدي مهاتير.. لقد أخطأت

صلاح الدين الجورشي
1300x600
1300x600

ما عبر عنه الرئيس الماليزي السابق مهاتير محمد في إحدى رسائله الموجهة إلى ماكرون كان مفاجئا وصادما للكثيرين، وأنا منهم.

فالرجل معروف بحكمته ورصانته ووعيه، مع ذلك صدر عنه ما يلي: "قتل الفرنسيون على مدى تاريخهم ملايين الناس. كان العديد منهم مسلمين. للمسلمين الحق أن يغضبوا ويقتلوا ملايين الفرنسيين ثأرا لمجازر الماضي". هذه الجملة كانت خارج السياق، ولا يجوز أن تنسب إلى أحد السياسيين المسلمين الكبار الذي يتمتع باحترام عالمي. صحيح أن مهاتير عقب على ذلك بقوله: "لكن بوجه عام لا يطبق المسلمون قانون العين بالعين. المسلمون لا يقومون بذلك، والفرنسيون عليهم ألا يقوموا بذلك"، غير أن هذا التعقيب فقد أثره ولم يبق في الأذهان سوى تأكيد الحق في قتل الملايين من الفرنسيين ثأرا للمجازر التي ارتكبوها خلال مرحلة الاستعمار.

لا شك في أن مهاتير محمد كان غاضبا جدا عندما كتب تلك التدوينة، فما ذكره الرئيس ماكرون أثار جميع المسلمين وحتى غير المسلمين، لكن ذلك غير كاف لتبرير ما كتب رئيس الوزراء الماليزي السابق، وأقدم على نشره. فقيمته السياسية ومكانته تفرضان عليه أن يكتم غضبه، وأن يحسن اختيار الكلمات التي سيتوجه بها إلى المسلمين أولا، وغير المسلمين ثانيا. فالكلمة مسؤولية، والإنسان يحاسب على كلماته وليس على نواياه، خاصة الرؤساء والحكماء.

لهذا، عندما يقارن تصريح السيد مهاتير بتصريح رئيس وزراء كندا نجد أن الرجلين عبرا عن موقف متشابه لكنهما اختلفا في العبارات وفي الصياغة. فكانت النتيجة أن أدين الأول وقامت تويتر بحذف تغريدته متهمة إياه بـ"تمجيد العنف"، في حين تم التفاعل إيجابيا مع جاستين ترودو الذي اعتبر أن الحرية "ليست بلا حدود"، وأنها يجب أن لا تُسبّب "إساءة بشكل تعسفي ودون داع" لفئات بعينها. وأضاف أنه "من واجبنا أن نتصرف باحترام تجاه الآخرين، وأن نسعى إلى عدم جرح من نتشارك معهم المجتمع والمعمورة"، موضحا أنه "ليس من حق إنسان أن يطلق النار في سينما تعج بالناس"، وأنه في مجتمع تعددي ومتنوع وقائم على الاحترام "من واجبنا أن نكون واعين حيال أثر كلماتنا وأفعالنا على الآخرين، خاصة الجاليات والفئات التي لا تزال تعاني قدرا كبيرا من التمييز".

يعلم السيد مهاتير جيدا أن العواطف تتحكم كثيرا في أوساط المسلمين الذين يعاني أغلبهم من قمع حكوماتهم في الداخل واحتقار الغربيين لهم في الخارج، فثقافة الحوار ومعالجة المشكلات التي تواجههم بعقلانية ليست متجذرة بالقدر الكافي في صفوفهم، لهذا ترى العديد منهم يندفعون بقوة نحو كل من أهانهم في ذواتهم أو إحدى مقدساتهم، ويكون الواحد منهم مستعدا في تلك اللحظات أن يفقد حياته أو يخسر قضيته المشروعة، فتنقلب عليه الآية، ويصبح بعد أن كان مظلوما مجرما وإرهابيا، فيلعنه الجميع نتيجة تهوره وغبائه، ويدعون إلى التخلص منه ومن جميع المسلمين الذين ينتمي إليهم وكان يظن أنه يدافع عنهم!!

يدرك السيد مهاتير أيضا أنه في صفوف الأمة جماعات متشددة تتحين الفرص لإذكاء حرب دينية لا تبقي ولا تذر، ولا يهمها حجم الخسائر التي ستلحق بالعالم الإسلامي بسبب أعمالها الطائشة والجرائم الكثيرة التي ارتكبت في هذا السياق. هذه الجماعات ستسعد كثيرا عندما تستمع لأحد القادة المحترمين وهو يشرع لحق المسلمين في قتل الفرنسيين أو غيرهم، فيزدادون بذلك اندفاعا نحو التمادي في استراتيجية العنف العالمي التي وضعوها ولا يزالون مستمرين في تنفيذها.

أعلم جيدا أن مهاتير محمد ليس من بين هؤلاء، ولم يؤمن خلال مسيرته الطويلة بأن العنف هو طريق نحو بناء الحضارة، بل على العكس من ذلك، اعتبر قبل أن يصبح رئيسا لماليزيا وبعد ذلك أن العلم هو الطريق الصحيح لتحقيق التقدم وإخراج المسلمين من التخلف والتبعية وحالة التهميش والاحتقار. وقد نجحت سياسته في جعل بلاده ماليزيا قوة اقتصادية تتمتع باحترام العالم ويضع لها ألف حساب.

الواجب يقتضي اليوم أن نغلق كل المنافذ أمام آفة العنف والإرهاب الذي شوه صورة المسلمين، وجعلهم محل اتهام واستهداف في كثير من دول العالم. يجب تصحيح الرؤى والمفاهيم لدى هؤلاء الشباب الحائر والضائع.

كيف نفسر ما مر به إبراهيم العيساوي، الذي انقطع عن التعليم، واشتغل ميكانيكيا، قبل أن يلقي بنفسه فوق قارب في بحر هائج ومر بلحظات الرعب التي يعرفها الذين هاجروا مثله سرا. في النهاية وصل أرض الطليان، وحصل على مساعدة من الصليب الأحمر الدولي، فتوجه نحو مدينة نيس، ونام أمام أكبر كنائسها في الشارع، وفي الصباح أقدم على فعلته الشنيعة في وقت كانت فيه أسرته تنتظره ليساعدها على مقاومة البؤس والفقر وتربية إخوته التسعة. هل هناك معنى لهذه المسيرة الكالحة التي كانت أقرب إلى العبث؟ ماذا حقق الذين دفعوه نحو قتل أبرياء كانوا يصلون إلى الله، ولا علاقة لهم بقصة الصور المسيئة لرسول الإسلام؟

حتى يحسن المسلمون إدارة معركة الحضارة بشكل صائب وموفق؛ عليهم أولا وأخيرا أن يتّحدوا ويضعوا ثقلهم للحيلولة دون تكرار هذه السيناريوهات السوداء.

 

التعليقات (3)
أيها الكاتب الكاره للذات!
الإثنين، 02-11-2020 02:26 م
عندما أرى مقالاً لك، أتوجس خوفاً. فأنت أشد حرصاً على القوى الاستعمارية السابقة وأذنابها وعملائها من الحرص على الأمة التي تنتمي إليها. أنت فعلاً من الأعوان الذين تتكئ عليهم فرنسا الاستعمارية العنصرية.
ابو امين
الإثنين، 02-11-2020 03:32 ص
رئيس وزراء كندى لم يرتكب الفرنسين في حق شعبه مثل الجرائم المرتكبه بحق الشعوب اللتي استعمرتها فرنسا وحتى مع الشعب الفرنسي في ايام ثورة الباستيل على حكامهم ولا تنسى مقولة سنعدم آخر كاهن بإمعاء آخر كاهن فباه
عمر المتيجي
الأحد، 01-11-2020 09:49 م
دائما نقد الذات أو الأصح جلد الذات حتى عندما نكون نحن المعتدى عليهم و لا أشك أن عملية نيس أو حتى قتل المدرس من تدبير المخابرات الفرنسية ولو كان المنفذون مسلمون مهاجرون