قضايا وآراء

استهداف المستوى القانوني لدى الاحتلال للمسجد الأقصى

علي إبراهيم
1300x600
1300x600
تتضافر جهود أذرع الاحتلال لفرض المزيد من التضييق على الأقصى ومكوناته البشرية. ويعد المستوى القانوني لدى دولة الاحتلال واحدا من هذه الأذرع التي تحاول تغيير الوضع القائم، وفرض المزيد من الاعتداءات على المكون البشري في الأقصى من بوابة محاكم الاحتلال وقوانينه الجائرة.

بدأت محاولات الاحتلال فرض قوانينه على الأقصى منذ اللحظة الأولى من احتلاله الشطر الشرقي من القدس، ولكن "كنيست" الاحتلال لم يستطع الوصول إلى نص يحدد مصير الأقصى، خاصة أن الموقف الإسلامي حينها كان بمنتهى الصلابة. ولم يغير قانون حماية الأماكن المقدسية الصادر عن "الكنيست" في  27/6/1967 التعاطي الإسرائيلي مع الوضع القائم، إذ نص القانون على أن: "الأماكن المقدسة يجب أن تبقى محمية من أي تدنيس ومن أي شيء يعتدي على حرية دخول أتباع مختلف الأديان إلى الأماكن المقدسة بالنسبة إليهم"، ولكنه لم يحدد الأديان أو الأماكن المقدسة لكل دين، فترك تفسير القانون للحكومة.

وعلى إثر عودة الأوقاف الإسلامية للإشراف على المسجد الأقصى، وعدم قيام سلطات الاحتلال بخطوات مباشرة لفرض سيطرة أذرعها على المسجد، وجدت "جماعات المعبد" أن تفويت هذه الفرصة هو خطيئة تاريخيّة. ومع تطور مساحة عمل هذه الجماعات المتطرفة، وقدرتها على اختراق بُنى الاحتلال السياسيّة والأمنية والقانونية، بدأت اللجوء إلى محاكم الاحتلال بشكلٍ متصاعد، في سياق تطبيق رؤيتها للأقصى، ودفع حكومة الاحتلال لتغيير تفسيرها لقانون الأديان سالف الذكر، ما أدى إلى سماح محاكم الاحتلال في عام 2003 بالاقتحامات الفردية، وفي عام 2006 بالاقتحامات الجماعية، ثم طفت إلى السطح فكرة المساواة في الحق بين المسلمين والمستوطنين، وعملت أذرع الاحتلال القانونية على تأكيدها.

إغلاق قضايا المقتحمين إضفاء الشرعية على "صلاة اليهود" داخل الأقصى

تعمل محاكم الاحتلال على تشريع أداء الصلوات التلمودية داخل المسجد الأقصى، إذ تقوم بإغلاق القضايا المرفوعة بحق المستوطنين الذين يؤدون هذه الصلوات داخل المسجد. ففي 11 آب/ أغسطس 2019 بدأت محكمة الصلح في القدس النظر في قضية مرفوعة ضد ثلاثة من جنود جيش الاحتلال أدوا صلاة علنية داخل الأقصى، وتسببوا بحدوث مواجهات في المسجد، فاضطرت حينها شرطة الاحتلال إلى إخراجهم من المسجد. وفي دفاع محامي المتهمين جاء أن "التهمة المقدمة ضدهم كان يجب أن تظل طي الأدراج، لأنه من المشين أن تُقدم تهمة كهذه ضد مصلين يهود في أرض إسرائيل".

وفي 19 تموز/ يوليو 2020 عقدت المحكمة جلستها الثانية للنظر في القضية، مع تجمع محتجين من "منظمات المعبد" خارج مبنى المحكمة، احتجاجا على هذه الاتهامات، وأعاد محامي المتهمين تأكيد عدم قانونية الاتهامات قائلا إنها "توجه رسالة خاطئة للجنود الذين يُضحون بأرواحهم للدفاع عن إسرائيل، فيما يُواجهون اتهامات بسبب صلاتهم في أقدس الأماكن اليهودية".

وتصدر محاكم الاحتلال أحكاما مخففة جدا في مثل هذه القضايا، ففي 20 أيار/ مايو 2020 أسقطت محكمة "الصلح" التابعة للاحتلال في القدس قضية كانت مرفوعة ضد واحدة من ناشطات "جماعات المعبد" منذ عام 2018، بسبب صلاتها بشكل علنيّ في الأقصى واعتدائها على أحد عناصر شرطة الاحتلال وإهانته وتهديده، فاكتفت المحكمة بتوجيه تحذيرٍ لها من مغبة تكرار تصرفاتها.

وفي 26 أيار/ مايو 2020 قررت وزارة العدل في حكومة الاحتلال عدم فتح تحقيق باعتداء أحد عناصرها على أحد حراس الأقصى، على الرغم من توثيق الاعتداء بمقطع مصوّر، واكتفت الوزارة بتوجيه الشرطة لاتخاذ إجراءات تأديبية بحق الشرطي، فقامت شرطة الاحتلال بإبعاد الحارس المعتدى عليه عن الأقصى ثلاثة أشهر، وفتحت تحقيقا ضده بذريعة كاذبة وهي محاولة الاعتداء على أحد عناصرها .وفي اليوم نفسه أغلقت شرطة الاحتلال قضية أخرى بحق أحد عناصرها، على إثر اعتدائه على والدة أحد الفتيان حاولت منع اعتقاله في المسجد الأقصى، ورغم وجود تقارير طبية وتصوير الحادث، رأت الشرطة أن عنصرها تصرف وفق ما تقتضيه الحاجة وليس هناك أساس للشكوى المقدمة ضده.

وتؤكد هذه النماذج محاولة محاكم الاحتلال إضفاء المشروعية على "صلاة اليهود" في الأقصى، ومحاولة عرقلة أي محاولة لمنع وتجريم هذه الصلوات، بالتزامن مع غض طرفها عن أي اعتداءات تقوم بها شرطة الاحتلال، خاصة بحق حراس الأقصى والمصلين، ما يفتح الباب أمام المزيد من عدوانها بحق المكون الإسلامي في المسجد.

تطور الموقف القانوني من الأقصى خلال جائحة كورونا


خلال مدة إغلاق الأقصى ضمن الإجراءات الوقائية من وباء "كورونا"، تقدم ناشطون من "منظمات المعبد" بأكثر من التماس إلى محاكم الاحتلال لفتح المسجد أمام اقتحاماتهم، بذريعة فتح المسجد أمام موظفي الأوقاف للصلاة فيه. ومن بينها التماسٌ قُدم لاقتحام الأقصى في "يوم القدس" بالتزامن مع 29 رمضان، وجاء فيه أن "إغلاق المسجد الأقصى في وجه اليهود والسماح لموظفي الأوقاف بأداء الصلاة فيه يعد تمييزا ضد اليهود.. خاصة بعد السماح بالصلوات عند حائط المبكى". وقبل تقديم الالتماس تظاهر العشرات من "منظمات المعبد" أمام مدخل باب المغاربة في البلدة القديمة، وفي ساحة البراق قرب جسر باب المغاربة، للمطالبة بإعادة فتح الأقصى أمام اقتحاماتهم تحت حماية الشرطة.

وفي سياق تفاعل المستوى القانوني مع هذه الالتماسات، عقدت المحكمة العليا الإسرائيلية في 18 أيار/ مايو 2020 جلسة للاستماع لممثلي هذه المنظمات، تناولت الالتماسات التي قدمت في شهر أيار/ مايو 2020، وتضمنت الجلسة الادعاءات ذاتها؛ من قبيل أن السماح لموظفي الأوقاف بدخول الأقصى في مقابل منع اليهود، يُعدّ مخالفة للدستور ولأوامر المحكمة العليا. وقد تبين لاحقا أن منع الاحتلال للمستوطنين من اقتحام الأقصى، جاء على خلفية اتفاقية سرية بين حكومة الاحتلال والحكومة الأردنية.

تجديد قرار إغلاق مصلى باب الرحمة

شكلت قضية مصلى باب الرحمة واحدة من أبرز القضايا التي تخص الأقصى وتنظر بها محاكم الاحتلال، فقد أصدرت محكمة الصلح في القدس في 17 آذار/ مارس 2019 قرارا بتجديد إغلاق المصلى، في تكرار للقرارات السابقة الصادرة منذ الإغلاق الأول للمصلى عام 2003، وفي 2 تموز/ يوليو 2020 أعادت المحكمة تجديده، وسلمت شرطة الاحتلال القرار لإدارة الأوقاف الإسلامية، وعلى الرغم من رفض المرجعيات الإسلامية للقرار، فإن استمرار إصداره يشير إلى عدم خضوع الاحتلال للأمر الواقع، ومحاولته المستمرة الالتفاف على نصر هبة باب الرحمة، ومحاولة توظيف قرارات محاكمه لتحقيق هذا المسعى.
التعليقات (0)