كتاب عربي 21

لماذا تطالب المعارضة التركية بانتخابات مبكرة؟

إسماعيل ياشا
1300x600
1300x600

ناشد رئيس حزب الشعب الجمهوري، كمال كيليتشدار أوغلو، في برنامج تلفزيوني شارك فيه الجمعة قبل الماضية، رئيس حزب الحركة القومية، دولت بهتشلي، ودعاه إلى المطالبة بإجراء انتخابات مبكرة، قائلا: "إنقاذ هذا البلد هو الذهاب إلى انتخابات في أقرب وقت. أقول لبهتشلي: إن كنت تحب البلد فقل صباح الغد "كفى" لتذهب بتركيا إلى انتخابات".

حزب الحركة القومية شريك حزب العدالة والتنمية الحاكم في "تحالف الجمهور" الذي يملك في البرلمان 340 مقعدا من أصل 600 مقعد. وإن انسحب منه نواب حزب الحركة القومية، البالغ عددهم 48 نائبا، يفقد التحالف الأغلبية البرلمانية. وبعبارة أخرى، إن حزب الحركة القومية يلعب دورا هاما في الحفاظ على الاستقرار السياسي في البلاد.

بهتشلي سبق أن أجبر الحكومة الائتلافية التي كان يرأسها بولنت أجاويد على اتخاذ قرار لإجراء انتخابات مبكرة في 2 تشرين الثاني/ نوفمبر 2002. وكان حزب الحركة القومية آنذاك أحد الأحزاب الثلاثة المشاركة في الحكومة. ولعل هذا ما شجَّع كيليتشدار أوغلو على مطالبة بهتشلي بتكرار ما قام به قبل 18 عاما، إلا أن بهتشلي يلح هذه المرة على إجراء الانتخابات في موعدها، ويرفض دعوة رئيس حزب الشعب الجمهوري جملة وتفصيلا.

حزب العدلة والتنمية، الشريك الأكبر لتحالف الجمهور، هو الآخر يرفض تقديم موعد الانتخابات. وأكد رئيس الجمهورية التركي رجب طيب أردوغان أن تركيا لن تشهد انتخابات مبكرة، واصفا تصريحات كيليتشدار أوغلو بــ"محاولات بائسة لإشغال الرأي العام بأمور لا قيمة لها"، كما لفت إلى أن الدول المتقدمة لا تجري الانتخابات بين حين وآخر.

 

من المؤكد أن هناك أسبابا أخرى، غير إشغال الرأي العام، دفعت المعارضة إلى المطالبة بإجراء انتخابات مبكرة في البلاد. ولعل أبرز تلك الأسباب هو خوف المعارضة من تغير المعادلات المحلية والإقليمية في المستقبل القريب لصالح تحالف الجمهور الداعم للحكومة

ومن المؤكد أن هناك أسبابا أخرى، غير إشغال الرأي العام، دفعت المعارضة إلى المطالبة بإجراء انتخابات مبكرة في البلاد. ولعل أبرز تلك الأسباب هو خوف المعارضة من تغير المعادلات المحلية والإقليمية في المستقبل القريب لصالح تحالف الجمهور الداعم للحكومة. وبالتالي، يسعى كيليتشدار أوغلو إلى استغلال الأوضاع السياسية والاقتصادية الراهنة، في ظل تقارب شعبية كلا التحالفين الانتخابيين، المؤيد للحكومة والمعارض لها.

أردوغان قام السبت بزيارة سفينة "فاتح" التي اكتشفت احتياطيات الغاز الطبيعي في البحر الأسود، وأعلن أن حجم الاحتياطيات المكتشفة في حقل ساكاريا ارتفع إلى 405 مليارات متر مكعب. وهناك سفن أخرى تواصل أعمال البحث والتنقيب في البحر الأبيض المتوسط. ومن المتوقع أن يبدأ ضخ الغاز المكتشف إلى الأراضي التركية وعرضه لاستخدام المواطنين عام 2023 الذي ستجري فيه الانتخابات. كما أن سفن البحث والتنقيب التي تواصل أعمالها في البحر الأسود والبحر الأبيض قد تكتشف حقولا جديدة وكميات أخرى من الغاز الطبيعي أو النفط قبل موعد الانتخابات، الأمر الذي سيرفع بالتأكيد رصيد الحكومة والتحالف الانتخابي المؤيد لها لدى الشارع التركي.

حزب الشعب الجمهوري فاز في الانتخابات المحلية الأخيرة في بعض المدن الكبيرة، مثل إسطنبول والعاصمة أنقرة، بفضل دعم أحزاب تحالف الملة، إلا أن رؤساء البلديات المنتمين له خيّبوا حتى الآن آمال الناخبين. وعلى رأس هؤلاء رئيس بلدية إسطنبول الكبرى، أكرم إمام أوغلو، الذي لم يقدم إلى سكان المدينة خدمة تذكر، غير محاولات تلميع صورته من خلال نسبة خدمات العهد السابق إلى نفسه، ما يعني أن فشله وأفول نجمه وتراجع شعبيته مع مرور الأيام يبدو أمرا حتميا.

حزب العدالة والتنمية، ما زال يحافظ على شعبيته إلى حد كبير، رغم الانشقاقات التي شهدها. ويسود أحزاب تحالف الجمهور الهدوء والاستقرار، بخلاف أحزاب تحالف الملة المعارض للحكومة. وتشهد تلك الأحزاب مشاكل وصراعات في صفوفها قد تعصف بوحدتها. وهناك محرم إينجه، مرشح حزب الشعب الجمهوري لرئاسة الجمهورية في الانتخابات الرئاسية الأخيرة، يقود تيارا داخل الحزب، ويجوب البلاد مع فريقه، ويستعد لإعلان التمرد على كيليتشدار أوغلو، إن لم يتم ترشيحه مرة أخرى في الانتخابات القادمة.

 

أجواء الانتخابات تشغل البلاد وتحوِّل اهتمامها من الخارج إلى الداخل، وهناك ملفات إقليمية ساخنة يجب أن تركز عليها تركيا، كملف إقليم قره باغ الآذربيجاني المحتل، وملف الخلاف مع اليونان على الحدود ومناطق النفوذ البحرية

الحزب الجيد، ثاني أحزاب تحالف الملة، هو الآخر يعاني من أزمة داخلية. وهناك 15 نائبا من نواب الحزب الذي يملك في البرلمان التركي 38 مقعدا، تم تهميشهم في المؤتمر العام الأخير للحزب. والنائب عن محافظة إسطنبول، أميت أوزداغ، من هؤلاء المهمشين، على الرغم من أنه أحد مؤسسي الحزب. وفجَّر أوزداغ، قبل أيام في برنامج تلفزيوني، قنبلة مدوية، حين اتهم رئيس فرع الحزب الجيد في إسطنبول، بوغرا كاونجو، بــ"الانتماء إلى تنظيم الكيان الموازي الإرهابي" الذي قام بمحاولة الانقلاب الفاشلة في 15 تموز/ يوليو 2016. ورفضت رئيسة الحزب الجيد، ميرال آكشينير، تلك التصريحات، ووصفت أوزداغ بــ"الكاذب".

هذه التطورات التي تشهدها الساحة السياسية تكفي لجعل كيليتشدار أوغلو يقلق على مستقبل تحالف الملة ويحلم بانتخابات مبكرة للخروج من الأزمة، إلا أن هناك أمرا آخر قد يكون أحد أسباب دعوته لانتخابات مبكرة. ويعلم الجميع أن أجواء الانتخابات تشغل البلاد وتحوِّل اهتمامها من الخارج إلى الداخل، وهناك ملفات إقليمية ساخنة يجب أن تركز عليها تركيا، كملف إقليم قره باغ الآذربيجاني المحتل، وملف الخلاف مع اليونان على الحدود ومناطق النفوذ البحرية. وبالتالي، يطرح هذا السؤال نفسه: "هل همس أحد من خارج البلاد في أذن كيليتشدار أوغلو ليطالب بانتخابات مبكرة لإشغال تركيا بالداخل؟".

twitter.com/ismail_yasa

التعليقات (1)
سليمان كرال اوغلو
الخميس، 22-10-2020 10:06 ص
أرجو الله أن يعين تركيا على حجم المؤمرات التي تحاك لها من الخارج و الداخل . لم أسمع مطلقاً الرئيس اردوغان ، الذي اختلف معه في عدة أمور ، أنه رجل يتشبث بالسلطة على طريق الزعماء المستبدين . هذا الرجل مع التداول في السلطة لكن بطريقة معقولة و منطقية و بما لا يتعارض مع مصالح تركيا . حين تحدق بالبلد الحر الأخطار من كل جانب و حين نرى من يزرعون جواسيس داخل تركيا و حين نرى من يبذلون الجهود الجبارة لضرب الاقتصاد التركي ... في هذا الحال ، الأصل أن نترك الفارس على فرسه ليكمل المشوار حتى نهاية الشوط و لا نطلب منه أن ينزل عن الفرس قبل الأوان .