قضايا وآراء

الكل يحب إسرائيل.. لكنه حب ضائع!

هشام الحمامي
1300x600
1300x600
شاعرنا الحزين الراحل صلاح عبد الصبور(50 عاما) له قصيدة رومانسية وادعة يقول فيها: "كانت تدعوني بالرجل الرملي وأناديها بالسيدة الخضراء.. وتلاقينا في زمني الشفقى.. وافترقنا ذات مساء"، ببعض التصرف.. الحب في الزمن الشفقى - قبيل الغروب بقليل - حب لا بد وأن يكون إلى فراق كما قال عمنا صلاح.. ويا له من حب ضائع.

ما الموضوع إذن..؟ الموضوع أنه قبل أربع سنوات كتب المؤرخ الأمريكي آرثر هيرمان (64 سنة) قائلا: المستقبل الدبلوماسي الإسرائيلي يبدو أكثر إشراقاً من أي وقت مضى، فالأعداء السابقون يدفنون الأحقاد والصداقات الجديدة تشهد ازدهاراً واضحاً والمعجبون يتهافتون، فـ"الكل يحب إسرائيل".. هذا الكلام قيل من أربع سنوات قبل أن تتحرك طواحين التطبيع الخليجى، وقبل أن تصل أول سفينة شحن من دبي إلى ميناء حيفا يوم الاثنين الماضي (12 تشرين الأول/ أكتوبر).

آرثر هيرمان باحث في معهد هدسون آرثر (مركز أبحاث أمريكي تأسس في العام 1961 في نيويورك، يهتم بدراسة الشرق الأوسط وأمريكا اللاتينية والإسلام)، وقال ذلك في مقالة بعنوان "الكل يحب إسرائيل" نشرت على موقع مجلة موزاييك الوثيق الصلة بالشأن اليهودى (أطلق عام 2013م)..

قد يكون ذلك مهما أو غير مهم، لكن الأهم هو التفاعل السريع مع المقال من شخص معروف بكراهيته للعرب والمسلمين اسمه روبرت ساتلوف (58 سنة) ويشغل منصب المدير التنفيذى لمعهد واشنطن (تأسس 1985 بقرار لجنة العلاقات الأمريكية الإسرائيلية أيباك لدعم المواقف الإسرائيلية)، وقدم بعض النصائح والتحذيرات تتعلق بهذا المستقبل المشرق الذي ينتظر إسرائيل ومن يحب إسرائيل.

يحذر ساتلوف من الإفراط في التفاؤل بخصوص شعبية إسرائيل المزدهرة في العالم، وأنها ستستمر بالضرورة في سلم أولويات السياسة الدولية، وأن يوافق العالم إلى الأبد على وضع القضية الفلسطينية على "الموقد الخلفي"، مشيرا إلى سرعة التغيرات الاستراتيجية الزلزالية في الشرق الأوسط، كما في السياسة العالمية الأوسع في السنوات الأخيرة وما أحدثته من تغيرات.

كما أن مستقبل إسرائيل الجيد على المستوى الإقليمي الضيق قائم على شراكة قوية مع مصر ودول الخليج، هذا الواقع القائم لا يمكن التيقن من استمراره على المدى البعيد. فمن المرجح أن الشأن المصري الداخلي لا زال يراوح مكانه، كما أن العلاقة مع دول الخليج هي في النهاية علاقات مع عائلات وأنظمة. أضف إلى ذلك أنه لا يمكن الاتكال بشكل جاد على أي نوع من الاستمرارية الاستراتيجية مع وجود قائد كالرئيس التركي أردوغان على رأس قوة إقليمية ضخمة مثل تركيا (لاحظ أيضا أن هذا الكلام في تشرين الأول/ نوفمبر 2016م، بعد فشل انقلاب تموز/ يوليو 2016م في تركيا).

ويضيف: وعلى الإسرائيليين ألا ينسوا أبدا أنهم يشكلون "المتغير التابع" في جميع هذه العلاقات، ذلك المتغير الذي تتقلب حظوظه صعودا وهبوطا استنادا إلى الأحداث التي هي خارج سيطرته إلى حدٍ كبير.

ويقدم في هذا السياق تقديرا أقرب ما يكون إلى تقرير عن الأردن والسلطة الفلسطينية: قوة إسرائيل واستمراريتها تشكلان مصلحةً استراتيجية أساسية لطرفين فقط في المنطقة؛ المملكة الأردنية الهاشمية والسلطة الفلسطينية. وعلى الرغم من المنافسة وعدم الثقة بين هذين الكيانين، إلا أن كليهما يعتمد على إسرائيل في عناصر أمنية أساسية. قد لا يعترفان بذلك علنا، إلا أن هذه هي الحقيقة الاستراتيجية، ومن غير المرجح أن تتغير في المستقبل المنظور.

يحذر أيضا من استمرار إهمال دول العالم للقضية الفلسطينية، والناتج عن الخلل الوظيفي في السلطة الفلسطينية والانقسام بين الضفة الغربية التي تحكمها السلطة الفلسطينية وغزة التي تحكمها حركة حماس، والأهم من ذلك الأزمة السورية والنفوذ الإيراني المتشابك مع دول المنطقة (اليمن سوريا لبنان العراق). ويقول: طبيعي جدا أنه في وسط هذا الخضم الخاضم أن ينخفض اهتمام كل من الجهات الإقليمية والدولية بالقضية الفلسطينية. (لاحظ مرة ثانية أن هذا الكلام قيل منذ أربع سنوات).

وضرب مثلا بما حدث عام 1987، في مؤتمر القمة العربية بعمّان، وكانت الحرب العراقية الايرانية تشعل المنطقة وتشغلها.. ماذا حدث في هذا المؤتمر تستدعى الإشارة إليه؟ ما حدث أنه تم وضع المشكلة الفلسطينية على ملحق أعمال القمة وليس على جدولها الرئيسي! قد يكون ذلك عاديا بحكم التداعي والتتابع المنطقي واللامنطقي عند القادة العرب، لكن ما ليس عاديا أن إسحق شامير وقتها التقط هذه الرسالة فورا، وقال إن هذا التغيير في السياسة العربية يعلن نشوء "واقعية جديدة" لدى القادة الإقليميين بخصوص نهج إسرائيل تجاه الفلسطينيين (دعونا نفكر بطريقة الأصوليين عن عموم اللفظ لا خصوص السبب)، فأدنى انشغالات عربية كفيلة بأن تسحق أمامها أي إهتمام بالقضية الفلسطينية.

ويستمر ساتلوف قائلا: هذا لا يعني أن اللحظة الراهنة ستزول سريعا على غرار عام 1987، ولا أود الحد من الأثر الذي طبعته عقود من الخلل الوظيفي الفلسطيني، والفشل المتكرر لدبلوماسية السلام على مدى اهتمام العالم بالقضية الفلسطينية، ولكن أحذر من أنه عندما تنفجر العلاقة بين الإسرائيليين والفلسطينيين قد تمتد أصداء هذا الانفجار بشكل واسع وبعيد، وبإمكانها أن تهز وقائع سياسية أخرى.

وفي الوقت الحاضر يسيطر الهدوء بين إسرائيل من جهة وكل من رام الله وغزة من جهة أخرى، ومع احتمال حلول أيامٍ مضطربة، أيضا عندما يحين وقت تغيير محمود عباس، فهذا الهدوء لن يدوم إلى الأبد وسيحمل ذلك تأثيراً قوياً على الحلة الإقليمية كلها.

وماذا عن أصدقاء إسرائيل الجدد من غير العرب (روسيا والصين والهند)؟ يقول بالطبع لا يستهان بما حققته إسرائيل في بنائها لمثل هذه العلاقات القوية على مدى العقدين الماضيين مع هذه الدول القوية والمؤثرة، وهي علاقات ستحصد من خلالها إسرائيل مصالح اقتصادية سياسية ودبلوماسية هائلة، وسوف يواصل القادة الإسرائيليون الحكماء القيام بما في وسعهم عمله لتنمية هذه العلاقات.

لكن دولتين من هذه الدول - روسيا والصين - لا تتسمان بالديمقراطية، وهذا أقل ما يمكن قوله. وتفتقد علاقات إسرائيل مع هاتين الدولتين لـ"القيم المشتركة"، ولا تستند سوى على المصالح المشتركة.

ويمكن لهذه المصالح أن تتغير مع الوقت، لكنه يصف الهند بالحليف الأكثر دواما والصديق الأضمن على المدى الطويل، بقدر ما تحمله من قيم ومصالح مشتركة مع إسرائيل (لاأدرى ما هي هذه القيم المشتركة!)، ويدعو أصدقاءه الإسرائيليين إلى تقوية العلاقات والروابط مع نيودلهي بشكل أقوى. لن يكذّب "ناريندرا مودي" خبرا، وسيكون أول رئيس حكومة هندي على الإطلاق يزور تل أبيب في 4 تموز/ يوليو 2017، والذي قال أيضا إن إسرائيل والهند لديهما صلة عميقة تعود إلى قرون. ولم يسافر إلى رام الله وقتها ولم يلتق الزعماء الفلسطينيين، كما هي العادة مع الزوار البارزين.

ثم يأتي الرجل بالطبع إلى موضوعه هو، شخصيا ومهنيا وعقائديا (الولايات المتحدة)، ويؤكد في بناء السياسات الشرق أوسطية على التأكيد الواضح والصريح على توافق المصالح الأمريكية والإسرائيلية توافقا تاما، لكن من الحماقة ألا يأخذ المرء بعين الاعتبار احتمال بعض المؤشرات المقلقة في العلاقة مع أمريكا والتي قد تزداد سوءاً، مثل سياسة إسرائيل بالغة القسوة تجاه الفلسطينيين، والتي أطفأت مشاعر التعاطف مع إسرائيل لدى عناصر مهمة في الحزب الديمقراطي والاستياء من إذعان الدولة للحاخاميات (هذا الكلام قبل أن يأتي ترامب في 20 كانون الثاني/ يناير 2017م).

وف النهاية سيكون مهما أن نتذكر دائما أن موضوع نهاية إسرائيل متجذر في الوجدان الصهيوني، وحتى قبل إنشاء الدولة. فقد أدرك كثير من الصهاينة أن المشروع الصهيوني مشروع مستحيل البقاء والاستمرارية.. نحن أمام دولة تعيش على حافة الهاوية بين الحياة والفناء.. فعلى من "يحب إسرائيل" أن يعود إلى قصيدة شاعر الحزن والأسى صلاح عبد الصبور وينتبه إلى لحظة الشفق.. لحظة الغروب والغياب.

twitter.com/helhamamy
التعليقات (0)

خبر عاجل