قضايا وآراء

مسؤولية المفتي عن أحكام الإعدام في مصر

عصام تليمة
1300x600
1300x600

يفاجئنا الحكم العسكري بين الحين والآخر بتنفيذ أحكام إعدام في أحداث لا ترقى الحقيقة فيها لصحة الاتهام لمن نفذ فيهم، وتلك تفاصيل ليس مجالها هنا، ومثل هذه الأحكام وتنفيذها يطرح سؤالا: ما مدى مسؤولية مفتي مصر عن هذه الأحكام؟ هل له دور فيها أم لا؟ وهل يبوء بإثم من يحكم عليه بالإعدام وهو بريء؟ أم لا علاقة للمفتي بذلك؟ 

 

رأي استشاري

بداية نعلم أن رأي المفتي في الإعدام في مصر، هو رأي استشاري، أي: أنه للقاضي ألا يأخذ به، وله أن يأخذ به، ولذا سيظل نقاشنا في هذا المقال حول: المسؤولية الشرعية، ومما لا يخفى على أصغر دارس للشريعة الإسلامية: أن الإسلام يحاسب على الفعل، كما يحاسب على القول، كما يحاسب على العمل السلبي تجاه الجرائم، ولذا وجد في الشريعة والقانون: القتل السلبي، فضلا عمن أجاز برأيه شنق إنسان متهم، تخبرنا أوراقه المرسلة للمفتي، وأخبار الأحداث، أنه لا يمكن أن يرقى الحكم لإعدام الشخص.
 
البعض يبرر لمفتي مصر شوقي علام، أن الأوراق التي ترسل لكل قضية بالآلاف، فكيف يقرأ كل هذا؟ وهذا عذر أقبح من ذنب، إذا كان المفتي لا يتمكن من قراءة الأوراق كلها، فليطلب معاونين له، وهل فقط المفتي يستطيع عمل مرصد إعلامي، يرصد كل ما يقوله معارضو العسكر، ويرد عليهم بأقصى سرعة، بينما دماء الناس تعلق في رقبته، نعتذر له بأن الوقت لا يسمح بالاطلاع الكافي، ولو كان الأمر كذلك، فيمكنه الاعتذار، بقوله: لا أعلم، أو لا تعقيب.

لو رجعنا لتاريخ المفتين في مصر، سنجد أن قضايا الإعدام تحديدا، كانت تشغل بالهم جدا، ويتخوفون منها، ويتحفظون بشدة فيها، وخير شاهد على ذلك، حادثة قتل بطرس غالي، والذي قتله إبراهيم الورداني، بإطلاق الرصاص عليه، وقد ظل بطرس غالي يومين ثم توفي بعدها، فلما جاء تقرير الطب الشرعي، اختلف الأطباء: هل مات بسبب الرصاص، أم لأنه لم يعالج جيدا؟ والمفتي دائما في الإعدام يبني حكمه على إجماع الطب الشرعي، وعلى ألا يدع أي مساحة فيها شك، أو شبهة، فالحدود تدرأ بالشبهات، فرفض المفتي الحكم بإعدامه، لأن وقتها لم يكن المضاد الحيوي قد اكتشف، فجاء تقرير الأطباء متضاربا، وكتبت بعض الصحف الغربية تهاجم المفتي أنه لم يحكم بقتل القاتل لأن القتيل مسيحي، حتى يثني ذلك المفتي عن رأيه، ولم يفعل.

 

لو رجعنا لتاريخ المفتين في مصر، سنجد أن قضايا الإعدام تحديدا، كانت تشغل بالهم جدا، ويتخوفون منها، ويتحفظون بشدة فيها،

 



وعندما حكمت محكمة مصرية على رجل الأعمال هشام طلعت مصطفى بالإعدام لقتله الفنانة اللبنانية سوزان تميم، بتحريض ضابط أمن دولة سابق بالقيام بالجريمة، فوجئت في مؤتمر في إسطنبول في سنة 2009م، وقد حضر فيه الدكتور علي جمعة مفتي الجمهورية وقتها، وقد استشار شيخنا الدكتور يوسف القرضاوي، وأن هناك محاولات للتصالح مع أهل القتيلة، ويستشيره ماذا يفعل؟ فعندما يكون القاتل رجل أعمال يبحث له عن مخرج، أما عندما يكون المتهم معارضا سياسيا، فلا نحتاج سوى لقاض معدوم الضمير، ومفت أكثر انعداما منه، لنحكم عليه.

 

كتب دار الإفتاء

والعجيب أن شوقي علام ودار الإفتاء، أصدروا كتابا بعنوان: (فتاوى الإمام محمد عبده) الجزء الأول، وهو عمل مشترك بين دار الإفتاء، ودار الكتب والوثائق القومية، وكتب مقدمة الكتاب: اثنان من أكبر داعمي حكم العسكر، ومؤيدي ظلمه: حلمي النمنم وزير الثقافة الأسبق، وشوقي علام المفتي الحالي، يعني كلاهما اطلع على فتاوى محمد عبده.

العجب الأكبر، أن الإمام محمد عبده له في الكتاب: (24) فتوى في قضايا إعدام أحيلت إليه، من ص: 123 إلى ص: 133. رفض المفتي (محمد عبده) الحكم بالإعدام في (7) قضايا، وكان مبرره في معظمها كالتالي: كثرة القرائن لا تكفي بالحكم بعقوبة الإعدام، و: إذا كانت القرائن مما توجب غلبة الظن بصحتها فلا يحكم على المتهم إلا بعقوبة تعزيرية.

ومن هذه القضايا قضية قتل، القاتل والقتيل مسيحيان، وكان القاضي الذي حكم فيها، وأحال الأوراق للمفتي هو: قاسم أمين، وكان جواب محمد عبده: برفض الحكم بالإعدام، لأن القرائن المذكورة توجب غلبة الظن، فلا يحكم على المتهم إلا بعقوبة تعزيرية.

وفي كثير من القضايا التي أفتى فيها محمد عبده، نجد مع القضية مرسل أوراق القضية، والتي بلغ في بعضها (71) ورقة، وفي كل قضية يكتب محمد عبده أنه اطلع على كل الأوراق المرسلة، ويستخرج منها ما يفيد اليقين إما بالإعدام، أو بعدم ثبوت اليقين، وغلبة الظن، فيرفض الإعدام، ويحيل لعقوبة أخرى تعزيرية.

فلا حجة إذن لشوقي علام، ولا لأي مفت، يوقع على إعدام أحد، ما لم يطلع على أوراق القضية، وينظر فيها كأنما المتهم ابنه، أو هو شخصيا، ثم ينظر فيها وكأن القتيل ابنه أو هو شخصيا، ليكون منصفا في حكمه، فهل يفعل ذلك شوقي علام؟ الحقيقة الثابتة حتى الآن: لا، فلا  الرجل مؤهلاته العلمية تنبئ عن فقه رشيد، ولا مواقفه تنبئ عن شخص صاحب موقف، يمكن أن يلقى الله عز وجل به يدفع عن نفسه التهمة.

ويظل السؤال الأخير: هل يفرق شوقي علام مفتي العسكر، عن أي مفت داعشي؟ في الحقيقة النتيجة والحكم واحد، لا فرق بينهما، الفرق أن هذا مفت مع سلطة، والآخر مفت بلا سلطة، كلاهما يجيز القتل، خارج القانون والشريعة، الفرق الوحيد: أن المفترض أن شوقي علام تخرج في الأزهر، ودرس المذاهب والفقه والشريعة، وهذا وحده كان كافيا لأن يتقي الله في قضايا الإعدام. 

 

[email protected]

التعليقات (4)
مصري جدا
السبت، 10-10-2020 02:45 م
المفتي شوقي علام كتب على ملف زميله الاستاذ الدكتور صلاح سلطان في قضية غرفة عمليات رابعة .. وقد حكم البلطجي محمد ناجي شحاته عليه واخرين بالاعدام دون استكمال المحاكمة .. كتب شوقي علام .. اوافق لانه يحارب االه ورسوله ويسعى في الارض فسادا .. وكنت احد من كتب على ملفاتهم هذه العبارة .. لكن ارادة الله غالبة .. الحمد لله .. وفك الله اسر مصر ..
الكاتب المقدام
الخميس، 08-10-2020 11:38 م
... يؤلمنا أن نرى الحضيض الذي وصل إليه بعض من يحسبهم الناس من علمائنا، في تأييدهم للباطل واتباعهم من كان من قبلهم في كتمان الحق (الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِّنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (146)، فأمثال وزير الأوقاف محمد مختار جمعة، والمفتي الحالي شوقي علام، والمفتي السابق علي جمعة، الذين باعوا دينهم بدنياهم، فهم نماذج لمن استغلوا دراساتهم وعلمهم الديني، والثقة التي يضعهاالبسطاء فيهم، لتضليل الناس وخداعهم وهم يعلمون، وأمثال هؤلاء البسطاء الذين يتبعونهم دون عقل أو تفكير يقولون يوم القيامة (وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا (67). . "وقال طاوس : سادتنا : يعني الأشراف ، وكبراءنا : يعني العلماء"، وأمثال هؤلاء العلماء المدعين الذين يضلون الناس، يخافون سادتهم أكثر من خوفهم من رب العالمين، كما يطمعون فيما في يدهم من سلطة ومال، فيسعون لرضى سادتهم في الدنيا، بتأييد إفكهم وتبرير جرائمهم، ومن المؤسف أن نرى مئات من أمثالهم، تلتهب أكفهم بالتصفيق للجنرال الدجال المنقلب، وهو يهذي أمامهم بغث الحديث، وهو يقول لهم كذباً وبهتاناُ: إنكم يا مسلمين تريدون قتل الناس جميعاً، وأن عليكم أن تغيروا ما قدستموه لقرون، وهم يعلمون أن المسلمين لا يقدسون إلا كتاب ربهم وسنة نبيه، وينطق لسان حالهم بما قاله حبر ممن يصطفون بجانبهم "أموت عشقاً فيه"، ونشكر الكاتب على تذكيرنا بواحدة من مآثر الشيخ الإمام المجاهد محمد عبده مفتي مصر في بداية القرن العشرين، الذين قل أن نجد أمثاله في شجاعته واستقلالية رأيه، وهو من ناله من صغار العقول والنفوس ما ناله في حياته وبعد مماته، ويبقى أمثال الإمام محمد عبده شاهداّ على مدى الانحطاط الذي وصل إليه أمثال علام وجمعة ومختار، وهم يؤيدون رب نعمتهم في هدم المساجد، وإعدام الأبرياء دون دليل، والزج بعشرات الآلاف من خيرة المصريين في السجون، وسيتحملون وزره ووزرهم، ويحشرون مع من أيدوه ونصروه يوم القيامة (...وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ (227)، والله أعلم بهم وبنا.
Moataz
الخميس، 08-10-2020 02:22 م
اللافت للنظر أن المفتى جاء بالانتخاب وليس بالتعيين 0000اختيارثورةيناير
معتز
الخميس، 08-10-2020 12:00 م
المفتي معذور مثله مثل الإعلاميين، فهؤلاء إذا لم ينفذوا الأوامر سيكون مصيرهم السجن أو القتل