قضايا وآراء

لبنان: اتفاق الإطار.. هل نحن أمام تحولات كبرى؟

محمد موسى
1300x600
1300x600
مما لا شك فيه، أن لبنان يمر بأيام صعبة على الصُعد كافة، فهو بين الدول الخمس الأكثر مديونية في العالم، والثالث عالميا من حيث المقارنة لجهة الناتج القومي المحلي. وأحد أخطر المؤشرات ليس في دين 90 مليار ولا في خدمة دين تفوق الستة مليارات سنويا، إنما بمؤشرات الفساد وبلوغه أماكن أوصلت إلى المطالبات الدولية والمحلية بإجراء تحقيقات جنائية في مصرف لبنان، ومنه إلى كل مزاريب الهدر في الوزارات والصناديق التي قيل فيها ما لم يقله أبو نواس في الخمرة، ولم يصل أحد إلى مرتكب واحد أو فاسد واحد للأسف!!

تحولات في زمن العقوبات

وعلى ضوء ما يجري في ظل كلام السيد حسن نصر الله، أمين عام حزب الله، الثلاثاء الماضي، حيث سطر السيد مجموعة ثوابت للمرحلة المقبلة في انتظار بلورة صور جديدة في الداخل والإقليم. لقد ظهر السيد ومعه كل حلفه في ثوب دفاعي هجومي في وقت واحد. وبرغم الفتور الظاهر مع رئيس التيار الوطني الحر، إلا أنّ السيد نصر الله تعمّد إرسال إشارة إيجابية إلى عون، برفض مصادرة صلاحيات رئيس الجمهورية، من خلال المبادرة الفرنسية، لكن غياب الاتفاق بين قوى الأكثرية في الملف الحكوميّ يبقى ساريا، في ظلّ اتهاماتٍ يوجّهها محسوبون على "الثنائي" لباسيل مثلا، بـ"استنساخ" الخطاب الفرنسيّ، ولو أنّهم يبرّرونها بخشية الرجل من سيف العقوبات المُسلَّط على رأسه أمريكيا.

ماذا عن شينكر؟

لكن البارز، كان ما أعلنه الرئيس نبيه بري حول اتفاق الإطار بين لبنان وإسرائيل، وعليه نحن قادمون على بداية حلحلة بالرغم من الخطاب الحاد الظاهر أمريكيا، حيث قال ديفيد شينكر؛ إن الاتفاق بين لبنان وإسرائيل رعته الولايات المتحدة، وهو نتيجة ثلاث سنوات من الانخراط الدبلوماسي قامت به أمريكا بطلب من الجانبين، اللبناني والإسرائيلي. وشدد على أن هذا الاتفاق هو اتفاق إطار لبدء المحادثات، وليس اتفاقا حول ترسيم الحدود البحرية أو مشاطرة الموارد الطبيعية التي يحتمل وجودها في المنطقة.

وشجع شينكر الطرفين على الاستفادة من هذه الفرصة للوصول إلى اتفاق يستفيد منه الجانبان، وشدد على أن المحادثات ستركز على حل المشاكل العالقة حول البلوكات 8 و9 و10 في مساحة تمتد إلى 855 كيلومترا مربعا في البحر.

وحول سبب موافقة لبنان على التفاوض مع إسرائيل في هذا الوقت، وما إذا كان الأمر مرتبطا بالعقوبات، قال مساعد وزير الخارجية الأمريكية: مفهومي هو أن لبنان في أزمة مالية وسيستفيد كثيرا من استخدام موارده الطبيعية، مما يساعده على حل مشاكله المالية. وأضاف: لا أعرف لماذا حصلنا على هذه الموافقة الآن، ولكن مهما كان السبب نحن هنا اليوم، وبعد أسبوعين من الآن سنلتقي وسنبدأ الحديث عن ترسيم الحدود.

بين شينكر والحقول العالقة: للبنان فرصة واعدة

وفي ما يتعلق بالحدود البرية بين لبنان وإسرائيل، قال شينكر؛ إنه جرت محادثات في السابق حول الخط الأزرق، "ونرحب في هذه المرحلة بالخطوات من قبل الطرفين لاستئناف المحادثات على مستوى أعلى حول النقاط التي ما زالت عالقة على الخط الأزرق، بهدف التوصل إلى اتفاق بينهما حول ذلك". وأشار المسؤول الأمريكي إلى أن هذا المسار منفصل ويتم نقاشه عادة بين الإسرائيليين واللبنانيين والأمم المتحدة ضمن مفاوضات غير مباشرة.

وتاليا، الموقف اللبناني يمكن استخلاصه بما يلي:

أدى توقيع الكيان الإسرائيلي اتفاقية مع جمهورية قبرص لتعيين الحدود بينهما (17 كانون الأول/ ديسمبر 2011) إلى خسارة أو قضم مساحة من المنطقة الاقتصادية الخالصة اللبنانية، تحتوي على كميات كبيرة من النفط والغاز. وقد أودع الجانب الإسرائيلي لدى الأمين العام للأمم المتحدة بنود هذه الاتفاقية، علما أن نقاط حدوده البحرية الشمالية الواردة فيها تقع جميعها داخل المساحة المائية اللبنانية، وقد تبيّن أنه قام بقضم مساحة مائية تقدر بـ860كلم2.

وللتذكير، فإن أكبر حقول الغاز الطبيعي التي اكتشفها الكيان الإسرائيلي، تقع بالقرب من الحدود البحرية اللبنانية، وأبرزها حقلا ليفيثان وتمار. يقع حقل "ليفيثان" على مسافة تقدر بحوالي 75 ميلا بريا غرب رأس الناقورة (تم اكتشافه في حزيران/ يونيو 2010)، وتقدّر كمية الغاز داخله بنحو 17 تريليون قدم مكعبة.

أما حقل "تمار"، فيقع على مساحة حوالي 55 ميلا بحريا غرب رأس الناقورة، وتم استكشافه في العام 2009، وتقدر كمية الغاز داخله بنحو 9.7 تريليون قدم مكعبة.
وكذلك يقع حقل كاريش جنوب خط الحدود البرية المعلن من قبل الدولة اللبنانية بنحو أربعة كلم، ويحوي حوالي ثلاثة تريليونات قدم مكعب من الغاز الطبيعي، وتم استكشافه منذ سبع سنوات.

وقد بدأ العدو الإسرائيلي بتلزيم حقول النفط والغاز، متجاهلا إشكالية ترسيم حدوده البحرية من الجهة الشمالية، ما يعرّض حقوق لبنان النفطية إلى السرقة، خصوصا في الحقول القريبة من الحدود البحرية اللبنانية، ما لم تتم تسوية النزاع وترسيم الحدود البحرية بشكل نهائي.

ويجدر الإشارة هنا إلى أن وزارة الخارجية والمغتربين وجّهت بتاريخ 3 أيلول/ سبتمبر 2011 كتابا إلى الأمين العام للأمم المتحدة، تعترض فيه على الإحداثيات التي وضعها العدو الإسرائيلي، وتطلب من الأمم المتحدة التدخل لرسم خط يتناسب مع الحدود البحرية اللبنانية المعلنة، لكن جواب الأمين العام للأمم المتحدة في 18 تشرين الأول/ أكتوبر 2011 أفاد بأن الأمم المتحدة لا يمكنها التدخل في موضوع الحدود بين دولتين، إلا بناء على طلب هاتين الدولتين، علما أن الدور القبرصي لعدة مراحل تحجج بالفراغ الرئاسي اللبناني وغياب القدرة على اتخاذ القرار، وتاليا أظهر القبارصة دورا مريبا من خلال اتفاقهم مع الإسرائيليين، مما أضر بمصالح اللبنانيين.

قطعيا، المشهد اللبناني قادم على تحولات واضحة منذ المبادرة الفرنسية وفشلها وخطاب التأنيب من الرئيس الفرنسي في محاولة لإعادة إحيائها. فهل تحيا المبادرة الحكومية ويكون المخرج اللبناني مع السيد الأمريكي القادم في ظل عدم قدرة الفرنسي، وتكون البداية من اتفاق الإطار المعلن لتسهيلات في أماكن أخرى من الداخل إلى تنازلات في الإقليم، وصولا إلى صندوق النقد وإبرام الاتفاقيات التي قد تشكل بارقة أمل في زمن جهنم السياسي والاقتصادي اللبناني؟
التعليقات (0)