كتاب عربي 21

الصلف الإماراتي العابر للحدود: قتل طلبة وسجن رسام

طارق الكحلاوي
1300x600
1300x600
من كان يتخيل أن تصبح دولة الإمارات، حتى مع نفطها وغازها، صانعة سياسات وانقلابات.. تقصف طلبة كلية عسكرية في طرابلس، وتسجن رسامي الكاريكاتور حتى خارج حدودها؟!

انتقل النظام السياسي العربي إلى وضع غريب، حيث تراجعت الكتل الديمغرافية والجيوسياسية الضخمة التي حكمت تاريخيا اتجاهات السياسة والسلطة، منذ الخلافة الاموية، فيما الصلف الإماراتي بصدد التعاظم. وليس الأمر بالضرورة في مصلحة حكام أبو ظبي، إذ هذا "التضخم السياسي" يشبه الحقيقة الزائدة الدودية، إذ يجعلها في مرمى حلقة واسعة من الخصوم من المحيط إلى الخليج.

في ظرف أسابيع قليلة شهدنا حدثين لافتين متشابهين تماما، الأول في تونس والثاني في الأردن، ويجمعهما نفس المشكل: ذهنيات استبدادية تحاول إرهاب الفن الساخر لأنها ترتعب منه.

الحدث الأول كان حملة ممنهجة لإلغاء عروض الفنان الكوميدي التونسي لطفي العبدلي من قبل أنصار حزب عبير موسي المساند للاستبداد. والحدث الثاني اعتقال ومحاكمة رسام الكاريكاتور الأردني عماد حجاج، الذي أبدع صورة ساخرة حول صفقة الطائرات "أف 35" الامريكية للإمارات، لكن بصق طائر أبيض على وجه ولي العهد الإماراتي محمد بن زايد. الرسم لا يتجاوز مبادئ فن الكاريكاتور، لن مدعي عام محكمة أمن الدولة الأردنية تحرك فورا، بالتأكيد بتعليمات سياسية، لسجن رسام تجرأ على مس خط أحمر أردني.. ليس الملك، بل محمد بن زايد.

حجاج انتقد تقريبا كل الأنظمة وسخر من زعمائها مرارا، ورسومه الإبداعية نصوص مصورة بليغة لا تحتاج عموما الكلمات أو ربما قليلها، فالمشهد كفيل بإيداع الرسالة في مكانها.

محمد بن زايد، راعي عبير موسي، يتفقان في أن السخرية منهما هو عمل عدائي يعرض صاحبه إلى الاستهداف. ولإن استطاعت يد ابن زايد الطولى سجن حجاج عبر تواطؤ السلطات الأردنية ضد مواطن، وكان من المفروض أن تحميه لا أن تسجنه بالوكالة، فإن عبير موسي الموجودة خارج السلطة لا تقدر إلا على الضغط من أجل إلغاء العروض، ولو كانت في السلطة لوضعت الكوميدي التونسي في دهاليز السجون.

تقرير "بي بي سي" المنشور في 27 آب/ أغسطس حول قصف الكلية العسكرية في طرابلس والمجزرة ضد العديد من الطلبة اليافعين الليبيين؛ مثال آخر على ذات الصلف. وقد كشفت "بي بي سي" عن أدلة جديدة حول مقتل 26 طالبا أعزل بطائرة إماراتية مسيرة في طرابلس، في كانون الثاني/ يناير 2020، وأن الإمارات نشرت طائرات مسيرة وطائرات عسكرية أخرى لدعم حلفائها الليبيين، وأن مصر تسمح للإمارات باستخدام قواعد جوية قريبة من الحدود الليبية. التحقيق الذي أجراه قسم "بي بي سي أفريقيا" ووثائقيات "بي بي سي عربي"، وجد أدلة على إصابة الطلاب العسكريين بصاروخ جو- أرض صيني الصنع يعرف باسم "Blue Arrow 7" (أي السهم الأزرق 7)، أطلقته طائرة مسيرة تسمى "وينغ لونغ 2" (Wing Loong II). كما وجد التحقيق أدلة على أن طائرات "وينغ لونغ 2" كانت تعمل فقط من قاعدة جوية ليبية واحدة (هي الخادم) وقت الغارة، وأن الإمارات قامت بتزويد وتشغيل الطائرات المسيرة التي كانت متمركزة هناك.

التورط الإماراتي المباشر عبر الطائرات بدون طيار أمر معروف ومنذ سنوات، لكن نحن إزاء أول تحقيق صحفي يثبت تورط الإمارات في الدم الليبي بشكل مباشر لا يحمل تأويلا، وتورط حتى الانغماس بشكل غادر.

الآن هذا الصلف الإماراتي، والنزوع نحو اعتقال الرسامين والمخالفين، والتجرؤ على قصف مجاميع طلابية ليبية في العاصمة طرابلس، موجودة آثاره أيضا في الإمارات، حيث ساهم ابن زايد شخصيا في التصعيد الأقصى، بما في ذلك عسكريا، في اليمن. هذا الصلف يستعمل حصرا الأموال لتفعيل نفسه، لكن يبذر للمستقبل بذورا عميقة للانتقام. المسألة في التموقع الجيوسياسي ليس كم تملك من المال، بل ما هي المقدرات طويلة الأمد للحفاظ على التفوق.

twitter.com/t_kahlaoui
التعليقات (0)