قضايا وآراء

أزمة كورونا والربيع العربي الجديد

زهير عطوف
1300x600
1300x600
عبر التاريخ كانت الأوبئة والأمراض سببا في ظهور إمبراطوريات جديدة وقوى مؤثرة ومسيطرة في العالم وسقوط أخرى، كما أن بعض الأحداث التي تبدو صغيرة كحرب السويس المعروفة بالعدوان الثلاثي عام 1956؛ كانت سببا في إعلان نهاية الإمبراطورية البريطانية.

وفي هذا السياق، تأتي أزمة كورونا التي تعتبر أكبر أزمة على مستوى العالم في هذا القرن، حيث يوصف الوضع في ظلها بكونه أسوأ كارثة منذ الحرب العالمية الثانية. وباء كورونا يهدد ثمانية مليارات شخص في العالم، من بينهم 428 مليون شخص عربي. فتداعيات هذا الفيروس لا تخص قطاع الصحة فحسب، بل تتجاوزه لتعيد تشكيل مجالات الاقتصاد والسياسية.

رغم أنه لا يزال مبكرا شيئا ما الحديثُ عن مستقبل العالم العربي بعد كورونا، إلا أنه يمكن أن نتشارك مجموعة من الأفكار، التي تطرق لها الكثير من الدارسين والمهتمين بالسياسات والعلاقات الدولية ومجموعة من المنظمات والمؤسسات العالمية، لا سيما في ظل مؤشرات توضح أن كورونا سيعجل التحول من عولمة تتمحور حول الولايات المتحدة الأمريكية؛ إلى عولمة تتمحور حول الصين.

أما على مستوى العالم العربي، فيمكن أن تطرأ مجموعة من السناريوهات تتمثل في هزات مهمة وانعطافية جراء هذا الوباء. وفي هذا الإطار، وحسب دراسة للأسكوا (لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية لغرب آسيا) وتقرير لـ"منظمة العمل الدولية" أن تفشي وباء كورونا سيؤدي إلى:

- زيادة عدد الفقراء في المنطقة العربية، حيث سيقع 8.3 مليون شخص إضافي في براثن الفقر في المنطقة العربية نتيجة أزمة كورونا خلال العام الجاري. وإذا علمنا أنه يوجد حاليا 93 مليون مواطن عربي فقير، فسيصل هذا الرقم بسبب أزمة كورونا إلى 101 مليون شخص فقير.

- من المتوقع أن يفقد خمسة ملايين عامل يعملون بدوام وظائفهم في العالم العربي.

- 1.7 مليون وظيفة ستخسرها المنطقة العربية، وستشمل هذه البطالة كافة القطاعات الاقتصادية بالمنطقة، في الوقت الذي تصنف فيه المنطقة العربية بأنها صاحبة أعلى معدل بطالة بين مناطق العالم بنحو 10 في المئة (المتوسط العالمي هو 5 في المئة)، وهو ما يعني أن النسبة ستصل إلى 11.2 في المئة من العاطلين العرب.

- كما أن أصحاب المشاريع الصغيرة ستتأثر بشكل كبير، خاصة أن هذه المشاريع تستحوذ على 85 في المئة من العمال في العالم العربي.

- ومن المنتظر أن تفقد الطبقة الوسطى من حجمها ويتساقط منها نحو 8.5 مليون فرد ليضافوا إلى شريحة الفقراء.

- خمسة ملايين شخص سيضافون إلى 50 مليون ممن يعانون من أزمة الغذاء في العالم العربي بسبب كورونا، حيث ستصبح المنطقة مهددة بأزمة الأمن الغذائي إذا ما استمر وباء كورونا عدة أشهر قادمة، خصوصا أن المنطقة العربية تستورد 65 في المئة من احتياجاتها من القمح، كما تدفع سنويا 110 مليارات دولار مقابل فاتورة استيراد الغذاء.

- كما ستشهد صادرات السلع العربية تراجعا بنهاية 2020 بنحو 88 مليار دولار، وتراجعا في الصادرات العربية البينية بنحو 14 مليار دولار.

أضف إلى ذلك أن معدل السياحة في الدول العربية يساوي صفرا اليوم، ويصبح الأمر مخيفا إذا علمنا أن نصف الدول العربية تقريبا، تعتمد كدخل أساسي على السياحة مثل المغرب، وتونس، ومصر، والأردن، ولبنان، وغيرها، حيث استثمر العرب في قطاع السياحة أكثر من 300 مليار دولار خلال الثلاثين سنة الأخيرة.

فمثلا الاقتصاد التونسي يشهد حاليا أسوأ ركود له منذ الاستقلال عام 1956، بسبب انهيار هذا القطاع نتيجة تفشي فيروس كورونا. وحتى في دول نفطية كالسعودية والعراق فإن السياحة الدينية إلى مدن في مقدمتها مكة والمدينة والنجف وكربلاء ستخسر الكثير. وفي هذا الصدد تقدر المنظمة العربية للسياحة خسائر الدول العربية في المجال السياحي بأكثر من 15 مليار دولار بسبب الفيروس.

أما عن باقي الدول العربية والتي تعتمد على اقتصاد الريع بالاعتماد على النفط والغاز مثل دول الخليج والعراق والجزائر، وأمام انهيار الأسعار على مستوى الطاقة، كنتيجة لتراجع معدلات الأداء بالاقتصاد العالمي في ظل أزمة كورونا، فقد قدرت خسائر الإيرادات النفطية في المنطقة العربية، بسبب تداعيات هذه الأزمة بنحو 11 مليار دولار (فقط ما بين كانون الثاني/ يناير وآذار/ مارس 2020)، ومن المقدر أن تصل خسائر المنطقة في ظل تدني أسعار النفط إلى 550 مليون دولار يوميا. هذه المؤشرات والعوامل ستؤدي بلا شك إلى انكماش في الاقتصاديات العربية.

وبالتالي فأزمة كورونا ليست أزمة صحية فقط، بل هي أزمة إنسانية أيضا على جميع الأصعدة وسينتج عنها تداعيات اقتصادية واجتماعية وسياسية، بمعنى أن العالم العربي ما بعد كورونا لن يكون هو نفس العالم العربي قبل كورونا.

ومن الممكن أن تؤدي هذه الأزمة، وهو سيناريو محتمل، إلى ربيع عربي جديد، أي إلى موجة ثالثة من الربيع العربي، خصوصا إذا حصلت الموجة الثانية من فيروس كورونا (على غرار الفيروسات السابقة كما يتوقع الكثير من الخبراء)، وسبب ذلك ارتفاعا مهولا في أعداد الموتى، لا سيما أن هذه الأزمة عرت واقع الصحة والتعليم والبحث العلمي في وطننا العربي، حيث أن الميزانيات الضخمة من أموال العالم العربي تصرف على الأسلحة والتسابق نحو التسلح.

وفي الختام، يبدو أن الدول العربية حتى الساعة قد استوعبت صدمة فيروس كورونا، وقد تتمكن من تجنب سيناريو التغيير الجذري المحتمل إلى تغيير محدود، لكنه من غير المرجح أن تنجح في الأمر ذاته إذا ما دخلت في موجة ثانية من كورونا.
التعليقات (0)