قضايا وآراء

في مصر.. مجهود حربي بلا حرب!!

عباس قباري
1300x600
1300x600
"المجهود الحربي"، و"الدفاع الشعبي".. هذه المصطلحات التي لاقت رواجا كبيرا بعد هزيمة 1967 ضمن حالت الزود عن "القومية"، وشعارات "لا صوت يعلو فوق صوت المعركة"، لتصنع حالة ومنظومة عمل كان لها (رغم مبالغاتها وافتئاتها على حقوق الناس) دور في التخلص من الهزيمة النفسية والمادية التي صنعها القائد الفذ والزعيم الملهم!

في هذه الأيام تستعيد مصر هذه الأجواء في ما يبدو استدعاءً من نظامها الانقلابي لحالة الحرب، ووضع الناس قسرا في أجوائها وترتيب الالتزامات على كاهلهم وفق تلك الحالة المتوهمة.

في الأيام القليلة الماضية صدر في مصر قانون بتعيين مستشار عسكري لكل محافظة، وهو خبر عادي ضمن ما تعيشه مصر من عسكرة لكافة مستوياتها الرسمية وشبه الرسمية والشعبية.

القانون رقم 165 لسنة 2020 جاء تعديلا على أحكام قانون رقم 55 لسنة 1968، والمعروف بـ"قانون منظمات الدفاع الشعبي"، وكذا تعديلا لأحكام القانون رقم 46 لسنة 1973 والخاص بالتربية العسكرية لطلاب المرحلتين الثانوية والعليا.

قبل أن نشرع في بيان كارثية القانون، دعنا نسأل سؤالا: قبل تلك التعديلات هل كان منصب المستشار العسكري بالمحافظات موجودا؟

نعم بالطبع كان لكل محافظة مستشار عسكري ضمن هيئة مستشارين كبيرة تضم مستشارا قضائيا، وآخر قانونيا، وثالثا تربويا، ورابعا هندسيا، وهكذا حسب الوزارات التي تحتاج وجود مستشار.

إذن ما الجديد؟

الجديد يكمن في زاويتين:

الأولى: الاختصاصات الواسعة الفضفاضة التي أسندت للمستشار العسكري، والتي قد توازي بل تتعدى سلطات المحافظ، بعكس المستشار العسكري قبل ذلك الذي كان دوره هامشيا تنسيقيا بين منطقته العسكرية والمحافظة.

الزاوية الثانية: وهي الأخطر، فالقوانين التي تم اختيارها ليضاف التعديل عليها (المنظمات الشعبية والتربية العسكرية) تضع في يد المستشار العسكري أدوارا محورية كان لها ما يبررها وقت إقرار القانون في العام 1968، والتي حوّلت البلاد لجبهة حرب ونظمت الناس في طوابير عسكرية طويلة بطول رقعة الوطن!!

فقد وضع القانون في تعديلات قانون التربية العسكرية إطارا جديدا فنص على: "تشمل التربية العسكرية للطلبة والطالبات على التدريب والثقافة العسكرية والخدمة الطبية ومواجهة الأزمات والتحديات، والتعريف بالمشروعات القومية ودور القوات المسلحة في صون الدستور والديمقراطية والحفاظ على المقومات الأساسية للدولة، وذلك وفق المناهج التي تحددها وزارة الدفاع".. وهذا لا يحتاج إلى تعليق كونه واضحا في ترسيخ ثقافة تضع المؤسسة العسكرية فوق كل شيء!!

أما قانون المنظمات الشعبية فيضعنا أمام تصور مخيف لصلاحيات وسلطات عجيبة للمستشار العسكري.

فهو ابتداءً معين من قبل وزير الدفاع ممثلا عن الوزارة في المحافظة، وله بموجب القانون حق تعيين عدد كاف من المساعدين في كل حي ومنطقة وإدارة ووزارة! وله حق الاجتماع مع قيادات المحافظة والمجلس التنفيذي للمحافظة ومجلس الدفاع الشعبي، ورفع التقارير لوزارة الدفاع وكافة الجهات المعنية بما يعني إنشاء محافظة داخل المحافظة.

وقانون الدفاع الشعبي يعرف المنظمات الشعبية بأنها "تنظيم شعبي محلي في المحافظات واجبها المعاونة في حماية الخطوط الخلفية للقوات المسلحة، وفي تنفيذ إجراءات وقاية المنشآت الحيوية للدولة في حدود المهام التي تكلف بها ضمن إطار خطة إعداد الدولة للحرب"؛ فهذا يجعلنا أمام جملة من السلطات والصلاحيات نصت عليها مواده نذكر فيما يلي بعضا منها:

- يحق لمجلس الدفاع الشعبي تدريب الموظفين وتكليفهم بالقيام ببعض خدمات الدفاع عن الدولة والمنشآت التي يعملون بها، بالإضافة لتلقي التدريب والعمل وفق تخصصاتهم (تطوعا وبدون أجر) بمشروعاتها القومية.

- الاستدعاء لأعمال الحراسة المحلية للمنشآت وحمايتها وتشكيل الفرق الخاصة.

- الاستدعاء لأعمال الخدمة الوطنية على المستوي المحلي التي يحددها مجلس الدفاع الشعبي.

هذه الأمور توضح طبيعة المهام الموكولة للمستشار العسكري، والتي يحق له تفعيلها منذ تعيينه وهي تطرح أسئلة منطقية. فهل يحق له تفعيلها في مشروعات الجيش (القومية) مثلا..؟

وهل يحق للمواطنين رفض التدريب أو التكليف والاستدعاء بعدما يتم تدريبهم على المهام؟

وهل التربية العسكرية ستعد اجتيازا للتدريب وتكتب اسم صاحبها في قوائم المتدربين المكلفين؟

القانون المعدل يضع إجابات كارثية لهذه الأسئلة، والكارثة الأكبر أنه صدر لتنفيذه القرار رقم 131 لسنة 1969 موقعا من وزير الإدارة المحلية ووزير الحربية؛ بشأن خضوع أفراد الدفاع الشعبي لأحكام قانون الأحكام العسكرية والمثول أمام النيابات والمحاكم العسكرية حال استدعائهم، كما تعد أماكن تدريبهم أماكن عسكرية والجرائم المرتكبة منهم أو ضدهم جرائم عسكرية.

وهكذا يصبح المواطن المدني بين عشية وضحاها وفق هذا القانون وتعديلاته خادما في "المجهود الحربي"، واسمه مسجل في نوبات الحراسة ليعمل وفق تخصصه في جهاز الخدمة الوطنية دون مقابل، ثم إن اعترض أو أخطأ أو غاب عن نوبات التكليف يحاكم عسكريا!

هذه الأمور تضع كثيرا من علامات التعجب عن ورود التعديل الخاص بتعيين مستشار عسكري في قانون منظمات الدفاع الشعبي، وليس قانون الإدارة المحلية، وهو الأقرب للتخصص!

فهل المطلوب أن يصبح المواطنون جميعا في مرمي الاستدعاء للخدمة الوطنية دون أجر، وتظل البلد في حالة حرب وهمية يكون المواطن المستدعى مرغما لا يستطيع رفض التكليف كونه نكوصا عن خدمة الوطن؟!
التعليقات (0)