كتاب عربي 21

الأزمة التونسية بين قراءة الدستور وموت السياسة!

فراس أبو هلال
1300x600
1300x600

تدخل الأزمة التونسية منعطفا جديدا مع تكليف الرئيس قيس سعيّد، مستشاره القانوني السابق ووزير الداخلية في حكومة تصريف الأعمال، هشام المشيشي، بتشكيل حكومة جديدة، خلفا لرئيس الوزراء المستقيل إلياس الفخفاخ.


استخدم الرئيس حقه الدستوري باختيار الشخصية التي يراها الأقدر لرئاسة الحكومة، ولكنه تجاوز كل ترشيحات الكتل النيابية، بما في ذلك فاضل عبد الكافي الذي رشحته أكبر كتلتين نيابيتين هما النهضة وقلب تونس.

ولا يحتاج أي متابع للشأن التونسي لجهد كبير لإدراك عمق الأزمة التي قد يخلفها هذا الترشيح، وأهمها:
أولا: المخاوف من تحويل الحكم في تونس إلى نظام رئاسي، بالرغم من أن الدستور يجعل الحكم برلمانيا رئاسيا، ويفترض أن تشكيل الحكومة يتم بترشيحات الكتلة النيابية الأكبر، ولكن الرئيس استخدم حقا دستوريا أيضا يمنحه اختيار رئيس الحكومة في حال فشل رئيس الوزراء الذي اختارته الكتل النيابية بالحصول على ثقة أغلبية النواب. 

ثانيا: احتمالية حل مجلس النواب في حال عدم حصول الرئيس المكلف على ثقة البرلمان، وهو ما قد يؤدي لفراغ سياسي، وتحميل ميزانية البلاد لتكاليف إجراء انتخابات مبكرة.

ثالثا: في حال حصول المشيشي على الثقة، بسبب اضطرار الكتل النيابية لذلك لمنع خيار حل البرلمان، فإن ذلك قد يؤدي لتشكيل حكومة ضعيفة لا تتمتع بحزام سياسي قوي، أو لسنوات من المناكفة بين رئيس الحكومة وبين البرلمان الذي منحه الثقة اضطرارا.


من الواضح أن الرئيس اختار مسار التأزيم بشكل واع جدا، فهو يريد التحكم بمفاصل العملية السياسية من جهة، وإثبات رؤيته المتشككة تجاه البرلمان والأحزاب

وما يعمق الأزمة أكثر، هو أن الرئيس سعيد ألمح أكثر من مرة إلى ضعف شرعية البرلمان، وإلى شكوى من دور الأحزاب وخلافاتها، وهو ما يشير إلى رغبته بتغيير النظام السياسي برمته، وقد يؤدي بالتالي إلى قتل الحالة السياسية النشطة في تونس منذ الثورة، فلا سياسة بدون أحزاب، ولا ديمقراطية حقيقية بدون برلمان قوي يتمتع بشرعيته وصلاحياته الكاملة التي يكفلها الدستور.

اختار الرئيس مرشحا مقربا منه، خلافا لترشيحات الكتل البرلمانية، سعيا للتحكم بشكل أكبر بالعملية السياسية، ولكنه اختيار محفوف بالمخاطر، فهو لا يضمن استمرار ولاء رئيس الحكومة له كما حصل في الخلاف المشهور بين الرئيس الراحل الباجي السبسي ورئيس حكومته يوسف الشاهد، كما أنه لا يضمن سلوك البرلمان والأحزاب، التي قد تعطل مسيرة الحكومة، وهو ما يمكن أن يؤزم الوضع في البلاد، ويمنع تحقيق الحكومة للإنجازات المطلوبة منها، وسيكون هو الخاسر الأكبر لأن فشل الحكومة سيحسب عليه، فهي في نهاية الأمر حكومته التي اختار رئيسها.

ثمة خيارات صعبة أمام الكتل النيابية أيضا، وخصوصا الكتلة الأكبر الممثلة لحزب النهضة، فهي إما أن تحجب الثقة فتصبح مسؤولة عن حل البرلمان في نظر بعض الناخبين، أو ستشارك في حكومة لا توثر بقراراتها رغم أنها الكتلة النيابية الأكبر، أو ستمنح الثقة بدون مشاركة بالحكومة لتضمن استمرار البرلمان وعدم الظهور بصورة الحزب المعطل للعملية السياسية، وستبقى مكبلة الأيدي تجاه الحكومة حتى لا تتحمل المسؤولية عن فشلها.

من الواضح أن الرئيس اختار مسار التأزيم بشكل واع جدا، فهو يريد التحكم بمفاصل العملية السياسية من جهة، وإثبات رؤيته المتشككة تجاه البرلمان والأحزاب باعتبارها تعطل المسيرة السياسية "لمصالحها الضيقة" من جهة أخرى، ولكنه رغم هذا الوعي يخاطر بمسؤوليته عن تشكيل حكومة ستكون ضعيفة في أحسن الأحوال، وفاشلة في حال حدوث الأسوأ.


جاء الرئيس سعيد من خارج المؤسسات السياسية، وبخلفية قانونية ودستورية متينة. مارس حقه الدستوري في تكليف إلياس الفخفاخ ومارسه مرة أخرى بتكليف المشيشي، ولكنه لم يمارس السياسة التي تضمن استمرار العملية السياسية وتحقيق إنجازات حكومية يحتاجها المواطن التونسي، وغامر بذلك بإمكانية ضرب إيمان التونسيين بالديمقراطية ومنجزات الثورة، وإدخال السياسة بموت سريري.


الأزمة في تونس عميقة بلا شك، وهي تحتاج لرئيس يبدع في ممارسة السياسة، لا في قراءة الدستور فقط!

6
التعليقات (6)
Khalil
الأربعاء، 29-07-2020 05:29 ص
When you finish writing like a kids with each other we talked about government this the worst has Congress ever in the history of Tunisia
Ange de l'espoir
الثلاثاء، 28-07-2020 11:42 ص
يظهر أن التعليق غير نزيه والتحليل منحاز، وغايته التشكيك في الرئيس سعيّد وإضعاف دوره، في حين ان ثقة الشعب فيه لازالت في َنموّ
محمود ش
الثلاثاء، 28-07-2020 10:57 ص
النظام البرلماني في تونس له 10 سنوات من الحكم و قد جر البلاد الى الهاوية و الافلاس و التدخين. هذا النظام البرلماني اصبح يعمل لفاءدة الاشخاص و الاحزاب على حساب البلاد و المواطن. الشعب طالب قيس سعيد بتغيره و اصلاح القانون الانتخابي و احالة جميع الملفات الاقتصادية و المالية و الإرهابية للقضاء كما طالب الشعب قيس سعيد بتنظيف المؤسسة القضاءية و وزارة الداخلية. لذا كفاك كذب فانت شخص ماجور.
شادي بادي
الثلاثاء، 28-07-2020 04:03 ص
كل ما أخشاه أن تكون فترة حكم قيس رومنسية بين الشعب و الحرية و بعدها يتضح أن سعيد هو أخ شادي بادي في السياسة والإقتصاد..
الإثنين، 27-07-2020 09:20 م
في حالة موافقة البرلمان على الحكومة، سوف يكون من السهل على عرابي الثورة المضادة من التغلغل أكثر في المشهد السياسي التونسي