كتاب عربي 21

وقفة للمراجعة في ذكرى ثورة 17 فبراير

السنوسي بسيكري
1300x600
1300x600

فبراير في ذكراها السابعة لاتزال تعني الكثير للذين يقدرون قيمتها وهي التي أنهت الاستبداد ووضعت الليبيين أمام فرصة بناء ليبيا وهم أحرار بإرادة مستقلة.


تعثر السير وانحرف المسار، بعد أن أسيء استخدام الحرية ووظفت الإرادة في غير طريق البناء، واللوم ليس على فبراير بل المسؤولية يتحملها  من لم يعرفوا كم قدرها ولا ماذا تعني للشعب المغبون.


بالقطع لعب خصوم الثورة دورا بارزا في إفشال الغاية التي جاءت من أجلها، لكن كان لكثير من أنصارها دورهم السلبي في  عدم بلوغ الثورة أهدافها كاملة.


وهي بالعموم ليست بدعا من مقاربات التغيير الجذري التي واجهت انتكاسات حتى ضجر منها أنصارها قبل الذين تصدوا لها وناصبوها العداء.


وككل الحركات الاجتماعية ومشاريع التغيير السياسية الجامعة كانت اختبارات فبراير والتحديات التي صاحبتها أكبر من الطاقات والإمكانيات، خاصة ونحن نتحدث عن مجتمع كان حقل لتجارب سياسية واقتصادية واجتماعية شاذة لسنوات طويلة انتهت به إلى شلل وتشوه كبير.


لقد كانت المعرفة والحكمة اللذان تتطلبهما نقلة كالتي عرفتها ليبيا في 17 فبراير 2011م مفقودتين حتى عند قطاع من النخبويين بكافة توجهاتهم وتأهيلهم وخبراتهم.


ولم يتوقف الأمر عند الفقر في المعرفة والحكمة، بل تورطت النخبة النشطة على مسرح الأحداث في خطاب وممارسات ساهمت بشكل مباشر في تأزيم الوضع وجرَّت خلفها قطاعات واسعة من الليبيين إلى مستنقع الصراع بل نزلت بالصراع إلى مستوى وضيع.

 

إدارة الثورة أو قل إدارة الأزمة التي نجمت عن تفجر الثورة كان في مستوى متدن منذ الأشهر الأولى والسبب يرجع إلى تبني أسلوب تقليدي بيروقراطي الذي هو استمرار للإدارة القديمة إذ لم يستوعب المتصدرون لقيادة المرحلة ماذا يعني تفجر ثورة شعبية وكيف تتماهى القيادة مع روحها وإفرازاتها.

 

من بين الأخطاء التي وقع فيها معسكر ثورة فبراير التفسير السياسي البراغماتي لمفاهيم "المصالح" و"المبادئ"، بحيث تم توظيفها بطريقة أوقعت قادة وأنصار الثورة في مأزق.

 

التعاطي الساذج مع المصالح والقيم أوجد تشوها يعسر معه تحقيق الاستقرار المنشود. ومن ذلك أن التحالفات إبان الثورة وقعت بين مكونات متناقضة والدافع خلفها المصلحة المتمثلة في خطر النظام، لكن لم يتم تطوير فكرة المصلحة إلى مأسسة متوازنة.

 

لقد تأزم الوضع بعد التحرير بأن شهر كل أو أحد الأطراف سيف المبادئ في وجه الشركاء، إلى أن أصبح الثوار مليشيات وتحالف القوى الوطنية "أزلاما" و"علمانيين"، والإخوان "عملاء" والمقاتلة "إرهابيين" وجبهة إنقاذ ليبيا "نفعيين".. إلخ.

 

هناك أيضا معضلة الجمع بين النفس الثوري والاتجاه التعددي والديمقراطي من خلال الدخول في انتخابات 7/7 للعام 2012.

 

الإقرار بمبدأ التنافس عبر صندوق الاقتراع، ثم محاولة تحجيم العملية الديمقراطية بالاستثناءات وفرض قيود عديدة فتح باب الجدل الكبير بين أنصار فبراير أنفسهم سبق التراشق بين أنصارها وخصومها، وأساء إلى الثورة وأضعف عملية الانتقال الديمقراطي.

 

ومن ذلك الخلافات التي خرجت عن إطار التنافس المقبول واتجهت إلى إفساد المناخ السياسي والإساءة إلى الثورة وتجييش الخصوم ضدها، وأبرز مثالين على ذلك هما:

 

1) النزاع بين التيار الإسلامي وما تم التعارف على تسميته بالتيار المدني، وأنا ممن لا يتردد في تحميل المسؤولية في تفجير الصراع علنيا، وإقحام الرأي العام فيه لرموز التيار الإسلامي وفي مقدمتهم مفتي البلاد الذي أرى أنه تعجل في المزاوجة بين وظيفته وتوجهاته، فالمرحلة الأولى من تأسيس الدولة تحتاج إلى خطابا ومواقفا تصالحية وليس الآراء التي أصبحت فتيلا للصراع القائم والمستمر، وهو ما دفع التيار الثاني لإخراج ما عنده من كره وتربص بالخصم الإسلامي فكانت بداية الانحدار الذي لم يتوقف حتى اليوم.

 

2) النزاع بين شركاء لم يتخلصوا من خلفيات سياسية قديمة وأشير هنا إلى قانون العزل السياسي الذي تبلور وأقر من منطلق التدافع بين حزبين سياسيين محسوبتين على ثورة فبراير، وهما حزب جبهة الإنقاذ وحزب تحالف القوى الوطنية، فقد ظهر أن حزب الجبهة صمم مشروع القانون بشكل يقصي زعيم التحالف وبعض الفاعلين فيه، فيما كانت ردت فعل الأخير بتقديم مقترح يدخل أبرز رموز الجبهة تحت طائلة العزل، فكان أن فسح المجال لتوسيع دائرة النزاع وفتح الباب للموتورين ليعملوا معاولهم في الجسد الضعيف.


ومن النقاط التي تحتاج إلى وقفة مراجعة هي أن كثير من أنصار فبراير يتجه بفكرة الثورة إلى مفهوم يقترب من التقديس، وهو اتجاه قاتل ويؤذي الثورة قبل أذية أنصارها.


واعتقد أن أحد أسباب انحراف النظام السابق وقطيعته مع الرأي العام هو جعل "ثورته" مشروعا سياسيا فوقيا، بحيث صار مفهوم الشرعية الثورية أقوى من شرعية الدولة والحكومة والمؤسسات العليا.

 

وقد انتقل هذا الأشكال إلى النظر إلى إدارة المؤسسات العامة، وانعكس سلبا من خلال ضغوط تخضع المقاربة المهنية والإدارية لجهاز الدولة إلى تأطير ثوري قد يتعدد ويتنوع بتعدد وتنوع مفهوم الثورة عند أنصارها.

 

وأؤكد أن الإرث الكبير والتراكم السلبي لممارسات مشوهة استمرت اكثر من 30 عاما ساهمت بدرجة كبيرة في "التغول الثوري" عند البعض.

 

بمعنى أن إصرار أنصار النظام السابق على العودة إلى المشهد بل والتآمر لوأد الثورة مستخدمين كل السبل المتاحة التي تتناقض وتوجهاتهم الايديولوجية القومية والوحدوية، لم يربك الانتقال من الثورة إلى الدولة فحسب بل عبئ شريحة من أنصار فبراير لممارسة الوصاية الثورية.

 

الخلاف تحول إلى كره يتعاظم مع مرور الأيام إلى درجة أصبحت المسافة بين أطراف الصراع بعيدة والهوة بينهم عميقة وتتغذى كل يوم على ما هو سيئ من الأفكار والآراء، ولجأ الأطراف إلى الخارج بحثا عن نصير للنيل من الآخر حتى صارت الإرادة مسلوبة والمصير الليبي مختطف ويقرر من الخارج. 

 

وأخلص إلى القول بأن الوضع قد تأزم بشكل يعسر معه استصحاب نفس الثورة ومقاربتها وفق المناخ الذي ساد عام 2011، كما يستحيل معه قبول مقاربة السبتمبريين الذي يحلمون بعودة الجماهيرية، أو أنصار الكرامة الذين يرون أنهم استدركوا على فبراير بمشروع سياسي متكامل، وبالتالي فإن المقاربة المثلى لتخطي العقبة الكؤود التي تشد البلاد إلى شرك التأزيم هو فبراير العادلة عبر:

 

3) المساواة بين المتجاوزين بغض النظر عن انتمائهم، فبرايري، أو سبتمبري أو كرامة، في الخطاب والمعاملة.


4) يتقدم أنصار فبراير الفاعلين من غير المتورطين في تجاوزات وانتهاكات بمسطرة العدالة ومبدأ ليبيا واحدة وللجميع وقولبة ذلك في إطار حواري فعال يقود إلى إنهاء الانقسام وتحرير المسار السياسي من عقاله.


5) تقديم مقاربة متكاملة لحلحلة الملفين الأمني والاقتصادي والدفع بعجلة الحياة للدوران بشكل يعود بالاستقرار الأمني والاقتصادي إلى مستواه السابق ويأسس لانطلاقة تنموية واعدة.

3
التعليقات (3)
عبدالله الجعيدي
الخميس، 22-02-2018 02:03 م
..ونلاحظ تغير في مسار الوقفة والانتقال من الغمغمة إلى البيان والإفصاح واستطاع البسيكري الخروج من عزلته ورفع القيود عنه لكن "ياللخيبة " لم تكن شجاعة منه بل لتحقيق غرضه وبث أحزانه وهو أضعف الإيمان عنده . يقول : "ومن ذلك الخلافات التي خرجت عن إطار التنافس المقبول واتجهت إلى إفساد المناخ السياسي والإساءة إلى الثورة وتجييش الخصوم ضدها،" نعم دائماً العيب على صاحب العقل فالمُدان هم أنصار الثورة وليس خصومُها والثورة المضادة والأطماع الخارجية التي خرجت الخلافات عن إطار التنافس المقبول والسؤال : هل يعي البسيكري حقيقة الصراع ومن يمثل كل طرف ؟ وماخلفية أمثال "محمود جبريل" ؟ وماذا يعني "عارف النايض"؟ وما هي أهداف "تحالف القوى الوطنية" ؟ وما دور " الإمارات" تحديداً ثم بعد ذلك مصر والأردن ومن بعد السعودية في دعم الأطراف المضادة للثورة وزرع بذور الفتنة ؟ وكثير من الأسئلة التي تفسر نوع الخلافات التي يصفها بطريقة ساذجة وبسيطة لا ترقى إلى فهم المشهد على حقيقته مما يساعد على تضليل القاريء! . ثم وصل لغايته فقال : "وأبرز مثالين على ذلك هما: 1) النزاع بين التيار الإسلامي وما تم التعارف على تسميته بالتيار المدني، وأنا ممن لا يتردد في تحميل المسؤولية في تفجير الصراع علنيا، وإقحام الرأي العام فيه لرموز التيار الإسلامي وفي مقدمتهم مفتي البلاد الذي أرى أنه تعجل في المزاوجة بين وظيفته وتوجهاته، فالمرحلة الأولى من تأسيس الدولة تحتاج إلى خطابا ومواقفا تصالحية وليس الآراء التي أصبحت فتيلا للصراع القائم والمستمر، وهو ما دفع التيار الثاني لإخراج ما عنده من كره وتربص بالخصم الإسلامي فكانت بداية الانحدار الذي لم يتوقف حتى اليوم." هنا استطاع أيضا السيد البسيكري الخروج من تردده وغمغمته للقول بأنه: "لا يتردد في تحميل المسؤولية في تفجير الصراع علنيا" نعم الصراع كان متأججا قبل ذلك لكنه في الخفاء ووراء الكواليس أوليس من الأولى أن تذكر لنا أسباب الصراع ومن يتحمل مسؤوليته ولا يهمنا بعد ذلك أكان علنياً أم في السر وهو أشد وأنكى فالعدو الخفي أخطر من الذي يواجهك في العلن ولكن هنا وقف حمار جحا عند العقبة ولا تنسوا "أضعف الإيمان". بل حتى تعبيره لوصف التيار العلماني لم يرغب في وصفه بالتيار المدني وهو الوصف الذي أطلقه أصحابه فهو لا زال في تردده و"ملكيته" . الذي يتحمل المسؤولية في تفجير الصراع علنيا "جزاه الله خيرا" - في نظر البسيكري - هم رموز التيار الإسلامي -هكذا بدون تسمية - "وفي مقدمتهم مفتي البلاد الذي أرى أنه تعجل في المزاوجة بين وظيفته وتوجهاته" . نحتاج هنا لتنشيط ذاكرة السيد البسيكري بأن أول من كشف تآمر العلمانيين وتحدث بكل شجاعة عن رأسهم وهو "محمود جبريل " وما يقوم به من سوء إدارة للمكتب التنفيدي هو الشيخ الدكتور علي الصلابي وذلك عبر تصريحاته في الجزيرة وخطورة ما كان يفعله وتحالفاته المشبوهة ظهر لكل متابع للمشهد فلا أدري لماذا هذا الاستغفال للقاريء ؟ ثم لا ننسى الحملات الإعلامية المبكرة التي قامت بها قنوات تتبع "التحالف" و"طاطاناكي" في تأجيج الصراع ومن الطبيعي أن تكون هناك ردّات فعل لمواجهة الكم الهائل من الأكاذيب والإشاعات التي تستهدف تشويه الإسلاميين وتضليل الرأي العام تمهيداً لضربهم كما حصل بعد ذلك ببنغازي كل ذلك يغفل عنه البسيكري ويُسلط الضوء فقط على سماحة المفتي الشيخ الدكتور الصادق الغرياني حفظه الله الذي يراه أنه قد تعجل في المزاوجة بين وظيفته وتوجهاته ونفهم من ذلك أنه لا بأس بالمزاوجة لكن الإشكال في العجلة !! وهذه وجهة نظر لكن لا نسلم ابتداءا بالمزاوجة إلا إذا كان البسيكري له رأي في وظيفة الإفتاء يقترب فيه من مفهوم العلمانيين وهذه مشكلة أخرى ونحن نعاني من هذه الإشكالية في فهم وظيفة المفتي بين من يضعه في خانة "ولاية الفقيه" ومن يريده ضبابيا لا لون له ولا رائحة كما يقال مفتي لكل الليبيين بمعنى لا يعرف معروفا ولا ينكر منكرا . ولا ندّعي في هذا المقام أن فضيلة المفتي قد أصاب في كل اجتهاداته وكان موفقاً في كافة مواقفه لكن في نفس الوقت نرفض هذا الاتهام الجائر وتحميله المسؤولية عن أخطاء التيار الإسلامي الذي تمثله جماعات وأحزاب ورموز فنغفل كل مساويء تلك المُكونات والتي منها تيار البسيكري وهو جماعة الإخوان المسلمين وما تفرع عنه من حزب سياسي اختار الانفصال عن الجماعة إداريا كما يقولون فاختزال تفجير الصراع بهذه الطريقة فيه جناية لا تغتفر من السيد البسيكري ونعتقد هناك حملة ممنهجة لتزوير تاريخ الثورة من قبل توجه معين . وحين يقول : " فالمرحلة الأولى من تأسيس الدولة تحتاج إلى خطابا ومواقفا تصالحية" فنحن معه في ذلك - مع جر المجرور - لكن القاريء ربما يفهم أن خطاب المفتي يرفض المصالحة وهذا نوع من التدليس ونحتاج كتابة مقال نوضح فيه جهود دار الإفتاء في المصالحة من بداية التحرير ويكفي في مثل هذا المقام أن أذكر مثالاً واحداً في بداية 2012 عند زيارة سماحة المفتي لمدينة مصراتة ولا زال الجرح ينزف من ضحايا كتائب القذافي توجه فضيلته لأهالي مصراتة بالخطاب ودعوتهم إلى ضرورة فتح ملف تاورغاء وتحقيق العدالة فيمن اقترف جرائم ضد أهالي مصراتة وإنصاف الأبرياء منهم وهذا في وقت لا يستطيع البسيكري كتابة مجرد مقالة في هذا الشأن وهذا السلوك من سماحة المفتي ليس شاذاً بل هو سياسة اتبعها في دار الإفتاء ومن ذلك جهوده في إصلاح ذات البين في عدة مدن والأمر يطول لواستقصينا هذا ويبقى أننا في حاجة دائمة إلى التذكير بأهمية المصالحة والتصالح ولكن نظرة سماحة المفتي لهذا الملف أنها تقوم على أساس متين من تحقيق العدالة وعدم أخذ البريء بجريرة الظالم "ولا تزر وازرة وزر أخرى" ويرفض المصالحات التي يراد منها تمكين المجرمين وفسح المجال لهم للإفساد وقطع الطريق كما حدث في المصالحة المزعومة في ورشفانة بعد فجر ليبيا والتي كانت من نتائجها المأساوية مئات من حالات الخطف والقتل والابتزاز للضحايا مع قطع الطريق بين طرابلس والمدن الغربية لأكثر من سنتين مما صدّق توجيهات سماحة المفتي من رفض مثل هذه المصالحات الزائفة ورفض التفسير البرغماتي لها ومن هنا ففي تصوير موقف المفتي بموقف المؤجج للحرب الرافض للصلح جناية في حقه ولا نقول إلا سبحانك هذا بهتان عظيم . ثم يقول في إشارة لخطاب المفتي : "وليس الآراء التي أصبحت فتيلا للصراع القائم والمستمر، وهو ما دفع التيار الثاني لإخراج ما عنده من كره وتربص بالخصم الإسلامي فكانت بداية الانحدار الذي لم يتوقف حتى اليوم." أحيانا أشعر بأن البسيكري لا يعيش بيننا ويكتفي بمتابعة بعض القنوات لمتابعة الشأن الليبي كيف وهو يقول أن آراء المفتي أصبحت فتيلا للصراع يارجل ألا ترى حجم الدمار والقتل والاغتيالات التي تقوم بها عملية الكرامة ؟ ألم تسمع من قبل ببيانات الانقلابات في زمن الاستقرار النسبي والتنافس الديمقراطي كما تسميه ؟ ألم تر حجم المكر والتآمر على المؤتمر الوطني ووأد تجربته قبل لجنة فبراير وبعدها ؟ ثم تقول تصريحات المفتي أصبحت فتيلا للصراع وزيادة على ذلك كانت سببا للتيار الثاني -هكذا بدون وصف !!- "لإخراج ما عنده من كره وتربص بالخصم الإسلامي" وهذا يصدق عليه وصفك التفسير السياسي البرغماتي للمقالة فهي لا تمت بصلة للمراجعة ولا الإنصاف إنما فقط للمزايدة والتبرير وربما سنرى البسيكري يعلن عن موقف جديد له يقترب فيه من أحد الأطراف ويتبرأ من توجهه الإسلامي "السابق" ويتخلص من حمولته هكذا علمتنا الحياة في ظل التفسير السياسي البرغماتي . والحقيقة كنت أتمنى من السيد البسيكري أن يسلك طريقا أقرب سبيلا في الدعوة للمراجعة وأن يتصف بالمصداقية والشفافية ولا نصادر رأيه في توجهه السياسي ورؤيته للمشهد الليبي ولكن ولو لم نتفق في وصف المشهد وتحليل الأزمة والخيارات السياسية فلن نعدم أوجه التوافق في كثير من الملفات التي تحتاج منا إلى توحيد الجهود لرفع المعاناة عن المواطن وتخفيف حدة الأزمة ونقل الصراع من المجال العسكري والأمني إلى خلاف تحت قبة البرلمان والمجال السياسي والله الهادي إلى سواء السبيل .
عبدالله الجعيدي
الخميس، 22-02-2018 01:38 م
الوقفة المعوجة نحتاج في هذه المرحلة الحساسة والخطيرة من عمر الثورة إلى وقفات للمراجعة للاستفادة من التجارب الماضية وفتح الباب للتصحيح والتواصي بالحق والصبر لا لجلد الذات كما يقولون ولا للمتاجرة السياسية ولا للمزايدات على الآخرين والحقيقة أن هذه المراجعات تحتاج إلى ورش عمل وليس لمقالة قصيرة ينفث أحد الأطراف ما يريده ويُنفس عن مكنونات نفسه بكل صراحة ووضوح ثم عندما يستعرض أسباب الأزمة ومقترحات العلاج يذكرها باقتضاب مُخل فيخرج القاريء بانطباع سيء بتحميل المسؤولية لطرف دون آخر وفي نفس الوقت شهادة براءة لمن يُمثله الكاتب وبالتالي نفقد عنصر مهم جدا في هذه الوقفة المعوجة للمراجعة وتكون هي نفسها معولا للهدم وليس للإصلاح والتدارك وهذا العنصر هو الصدق والشفافية . هذا السلوك في المراجعات قام به السيد السنوسي البسيكري في مقالته " وقفة للمراجعة في ذكرى ثورة 17 فبراير" ولا يمكن في هذا التعقيب القصير الوقوف على كل فقرات المقالة ولكن أريد أن أسجل وقفة سريعة معها كنموذج لوصفها بالوقفة المعوجة . " التفسير السياسي البرغماتي " ظاهرة لاشك عميقة الجذور في الممارسة السياسية وخصوصا عندما تمارس على "المباديء" و"المصالح" وهي كما يراها البسيكري إحدى خطايا أنصار الثورة فكما يقول : " من بين الأخطاء التي وقع فيها معسكر ثورة فبراير التفسير السياسي البراغماتي لمفاهيم "المصالح" و"المبادئ"، بحيث تم توظيفها بطريقة أوقعت قادة وأنصار الثورة في مأزق." وكنا نتمنى من السيد البسيكري أن يذكر لنا نموذجا صريحا ولا يكتفي بالاقتضاب المخل ونحن معه في وجود مثل هذا الخلل لكن ربما خانته الشجاعة والحقيقة أن التفسير البرغماتي للمصالح وقعت فيه الأحزاب بالدرجة الأولى وكان سبباً رئيسياً لمزيدٍ من الشقاق والنزاع ومن هنا لا يمكن الاكتفاء بجرة القلم التي تفضّل بها البسيكري على طريقة "باص عيون" . و السيد البسيكري يستحضر مواقف معينة في بداية الثورة ويغفل أسبابها مما يجعل مراجعته مربكة فلا هو يستطيع التصريح ولا تصوير المشهد بكامله فهو يقول : " لقد تأزم الوضع بعد التحرير بأن شهر كل أو أحد الأطراف سيف المبادئ في وجه الشركاء، إلى أن أصبح الثوار مليشيات وتحالف القوى الوطنية "أزلاما" و"علمانيين"، والإخوان "عملاء" والمقاتلة "إرهابيين" وجبهة إنقاذ ليبيا "نفعيين".. إلخ." وهكذا تحولت المباديء إلى سيفٍ يُشهر لكن المتهم هذه المرة "الكل" أو " أحد الأطراف" و الذي نفهمه أنه يريد اتهام "بعض الأطراف" باستغلال مباديء الثورة وكما يسميهم آخرون "ثورجيين" هم يتحملون مسؤولية تأزيم الوضع وإياك أن يتطرق إلى ذهنك شيء آخر لا سمح الله فلا الأحزاب ولا التدخل الخارجي ولا الإعلام الفاسد ولا.. ولا .. فقط يستطيع البسيكري الحديث عن تيار الثورة ونقطة من أول السطر . لكن يبقى السيد البسيكري اجتهد في وضع النقاط على الحروف وقد يكون انحرف به القلم فنصب المجرور ورفع ما شأنه الخفض وخفض ما من شأنه الرفع فهذه تصاريف القدر العجيبة أن يجتمع التحريف اللفظي والمعنوي في سياق واحد وهو من قلة التوفيق . هل تسمعون بمَثل "مَلكي أكثر من المَلِك " ؟ هذا هو السنوسي البسيكري فهو " ديمقراطي أكثر من الديمقراطيين " ويكاد يقطع نفسه ليثبت للعالم أنه كذلك ولكن تبقى الحكمة ضالة المؤمن . ولو أخذنا ممارسة حزب التحالف للديمقراطية كمثال للممارسة الديمقراطية فسنرى أنه لم يترك سبيلا لكسر خصومه والاستحواذ على مكتسبات الثورة والانفراد بالسلطة إلا وسلكه ولم يكتف بالممارسة السياسية بل حرص على عقد تحالفات عسكرية ودعمها بكل قوة حتى أصبحت قوة حقيقية فاعلة بفضل الدعم الإماراتي وماتحصلت عليه من موارد عن طريق ممثليها في حكومة زيدان و المؤتمر واللجان المنبثقة عنه ووصل بها الحال إلى تهديد المؤتمر وإعطائه مهلة خمس ساعات لتسليم السلطة ولكن البسيكري يعاني من ضعف الذاكرة ولا يتذكر إلا ما يتعلق بالثورة والثوار يقول : " الإقرار بمبدأ التنافس عبر صندوق الاقتراع، ثم محاولة تحجيم العملية الديمقراطية بالاستثناءات وفرض قيود عديدة فتح باب الجدل الكبير بين أنصار فبراير أنفسهم سبق التراشق بين أنصارها وخصومها، وأساء إلى الثورة وأضعف عملية الانتقال الديمقراطي." يصعب على المرء أن يقنع من يعاني مثل هذه الشفونية بأن قيام الدول واسترداد الحقوق لا يكون بمثل هذه السذاجة والطيبة وأن السياسة لا تعرف مباديء إلا ما يقرره القوي وأن سنة الله في التدافع بين الحق والباطل ماضية . خلاصة الحديث أن السيد السنوسي يريد منا بعد تحقيق الانتصار الجزئي في الثورة أن نضع نظاماً يسمح بالانقلاب عليها وتمكين أعدائها منها وهو ما رأيناه جلياً في انتخابات البرلمان والمشكلة يرى ذلك بأمّ عينيه وما زال يقول : "تحجيم العملية الديمقراطية بالاستثناءات" ولذلك يشير بعد ذلك إلى قانون العزل السياسي الذي لم يتم تفعيله في انتخابات البرلمان فأنتج أسوأ برلمان في تاريخ "العرب" .... يتبع