اقتصاد عربي

ما بين إيجابية التصنيف وتقارير الأداء الضعيف.. أين يقف اقتصاد مصر؟

رغن الاقتراض والتدفقات النقدية إلا أن ذلك لم يؤثر على أسعار السلع والمنتجات
رغن الاقتراض والتدفقات النقدية إلا أن ذلك لم يؤثر على أسعار السلع والمنتجات
في الوقت الذي تؤكد فيه دراسات اقتصادية وتقارير متخصصة وأراء خبراء وأكاديميين أن الاقتصاد المصري يعاني من أوضاع كارثية وأزمات مركبة تتفاقم تبعاتها برغم حصوله على قرض تعثر طويلا من صندوق النقد الدولي، وعقد صفقة "رأس الحكمة" المليارية، إلا أن وكالة تصنيف دولية كبيرة رفعت آفاق تصنيف مصر الائتماني من النظرة المستقرة إلى الإيجابية.

وما يدفع للتساؤل حول قدرة الاقتصاد المصري على الخروج من الأزمة أو التعافي واستمرار ذلك التعافي، بل وعدم وقوع البلد العربي الأفريقي المدعوم دوليا وعربيا في فخ الانتكاسة مجددا، خاصة مع استمرار ذات السياسات التي اعتمدها رئيس النظام عبد الفتاح السيسي، طيلة 11 عاما من الاقتراض الخارجي والصرف ببذخ على مشروعات غير ذات جدوى.

والسبت، رفعت وكالة "فيتش ريتنغز" نظرتها المستقبلية لتصنيف مصر الائتماني إلى "إيجابية" من "مستقرة"، مدعومة بتراجع مخاطر التمويل الخارجي على المدى القريب بسبب ما وصفته بالإجراءات الاقتصادية التي اتخذتها حكومة القاهرة.

"مبررات التصنيف"
الوكالة الدولية، أشارت إلى قرارات الانتقال نحو سياسة سعر صرف مرنة، وزيادة أسعار الفائدة في 6 آذار/ مارس الماضي، والتي دفعت بالجنيه رسميا من نحو 30 جنيها إلى معدل 48 جنيها مقابل الدولار، وهبطت بالسوق الموازية لصرف العملات من نحو 70 جنيها إلى معدل قريب من السعر الرسمي لدى البنك المركزي.

كذلك في تبريرها لتعديل نظرتها للاقتصاد المصري لفتت "فيتش" إلى دور التمويل الإضافي الذي حصلت عليه القاهرة من المؤسسات المالية الدولية، ملمحة إلى قرار صندوق النقد الدولي برفع تمويله لاقتصاد أكبر بلد عربي سكانا من 3 إلى 8 مليارات دولار بزيادة 5 مليارات دولار، ما يمثل انتعاشا للخزينة المصرية.

ومن أبرز النقاط التي أوردتها "فيتش" في تقريرها كان "عودة تدفقات الأجانب إلى سوق الدين المحلية"، حيث أكدت أن "حيازات غير المقيمين من الديون المحلية ارتفعت إلى 35.3 مليار دولار، من 16.6 مليار دولار في نهاية 2023

وبحسب وكالة التصنيف الائتماني، فإن عقد صفقة "رأس الحكمة" مع الإمارات في شباط/ فبراير الماضي، مقابل 35 مليار دولار، كان إحدى نقاط تغيير تصنيفها للاقتصاد الثالث أفريقيا -عقب جنوب أفريقيا ونيجيريا- من النظرة المستقرة إلى الإيجابية.

"ترحيب مصري"
تعديل التصنيف الائتماني لمصر، قابله وزير المالية محمد معيط بترحاب شديد، حيث أكد أن الاقتصاد بدأ بصورة تدريجية استعادة ثقة مؤسسات التصنيف الدولية، معلنا عن تطلعه إلى استمرار العمل بقوة لتحسين التصنيف الائتماني للأفضل بالمراجعات المقبلة قبل نهاية العام.

وقال الوزير، إن اقتصاد مصر بات يمتلك قدرة أكبر على تلبية الاحتياجات التمويلية المستقبلية وسط التحديات العالمية والإقليمية الصعبة، وأن الاتفاق مع صندوق النقد الدولي، والحزم الداعمة من مؤسسات التمويل وشركاء التنمية الدوليين وتدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر، الأخيرة والمتوقعة، تُعزز الاستقرار والتقدم الاقتصادي، وتُسهم في تخفيف حدة الضغوط التمويلية.

"أداء ضعيف.. وذات السياسات مستمرة"
اللافت هنا أن هذا التصنيف من "فيتش" ورد فعل الحكومة المصرية جاءا عقب دراسة أجراها "المركز المصري للدراسات الاقتصادية، وعرضها في ندوة اقتصادية 29 نيسان/ أبريل الماضي، أكدت أن مصر تدور بحلقة مفرغة من الأداء الضعيف، كاشفة أنه تجري معالجة الأعراض بصورة سطحية، بينما تبقى المشكلات الأساسية.

الدراسة، وبحسب ما نقله الكاتب الاقتصادي عادل صبري، قالت إن الأزمة الاقتصادية في مصر لم تنته بعد، وأن اتفاق القاهرة وصندوق النقد الدولي والدول الداعمة للحكومة المصرية، جميعها حلول مؤقتة لمشكلات اقتصادية مزمنة، فيما تحدثت الدراسة عما أسمته بالضعف الهيكلي المؤسسي للاقتصاد المصري.



المثير، هنا أيضا، أنه وبينما يتوقع تقرير "فيتش" ارتفاع إجمالي احتياطيات النقد الأجنبي لدى مصر 16.2 مليار دولار في السنة المالية 2024 إلى 49.7 مليار دولار، وارتفاع احتياطيات العملات الأجنبية إلى 53.3 مليار دولار بحلول السنة المالية 2025، عاودت مصر طلب تمويلات بقروض جديدة.

وفي خبر حصري نشره موقع "الشرق مع بلومبيرغ" الاقتصادي الخميس الماضي، أكد أن "المؤسسة الإسلامية لتمويل التجارة"، وافقت على طلب مصر بإتاحة 45 مليون دولار "بشكل عاجل" لاستيراد سلع، كما لفت إلى طلب القاهرة رفع حد الاقتراض من المؤسسة لاستيراد سلع تموينية إلى 500 مليون دولار سنويا.

اظهار أخبار متعلقة



وهو الخبر الذي رأى فيه خبراء، مؤشرا على استمرار أزمة السيولة المالية الدولارية في مصر، واعتبروه دليلا على استمرار عمليات الاقتراض الخارجي بل والتوسع فيه، ما يضع بحسب رؤيتهم، الاقتصاد المصري في حلقة مفرغة وينزع عنه أية تأثيرات إيجابية لأية قرارات إصلاح تم الإعلان عنها، بل ويؤكد أن السيولة التي وصلت مصر عبر صفقة رأس الحكمة، أوشكت على النفاذ.

"مقاييس التغيير"
وفي قراءته لوضع اقتصاد مصر، وهل أزماته إلى انتهاء بحسب تقرير "فيتش" أم إلى تأزم أكبر بحسب الأداء الضعيف والتقارير والدراسات الاقتصادية الأخرى، تحدث المستشار السياسي والاقتصادي الدكتور حسام الشاذلي، لـ"عربي21".

وقال: "عندما نقوم بمحاولة فهم التصنيف الائتماني الجديد لمصر من وكالة فيتش إلى ايجابي Positive من مستقر، لابد لنا أن نتعرف على المقاييس الرئيسية لهذا التصنيف والذي يتعامل مع مؤشرات بعينها".

الشاذلي، الذي يرأس جامعة كامبردج المؤسسية بسويسرا، أوضح أن منها: "التغير في أخطار الاستقرار المالي للجهة الإيجابية؛ والذي كان لمشروع رأس الحكمة التأثير الأكبر، والمرونة في أسعار الصرف مما يجعلها تقترب من قيمتها الحقيقية، وتأكيد دعم دول الخليج المالي للمنظومة الاقتصادية المصرية، وعدة خطوات أخرى تساعد على تقليل الدين العام".

اظهار أخبار متعلقة



وأوضح أن "الاستثمار الأجنبي المباشر لمشروع رأس الحكمة يعتبر على قمة تلك العوامل بأكثر من 35 مليار دولار، متمثلة في 24 مليار دولار من العملة الصعبة، يتم استلامها العام المالي الحالي، و11 مليار دولار سيتم تحويلها من ودائع الإمارات في البنك المركزي المصري".

"أضف إلي ذلك رفع قرض صندوق النقد الدولي من 3 إلى 8 مليارات دولار، مما يمثل زيادة في رأس المال الأجنبي، وكذلك موافقة المجموعة الأوروبية على القرض الداعم بما قيمته 7 مليار دولار".

"وكذلك المرونة في سعر الصرف، والذي يزيد من ثقة المستثمرين، إضافة إلي جميع العوامل السابقة والتي كان لها التأثير المباشر على رفع التصنيف الائتماني الإيجابي بعد المراجعة التي تمت في آذار/ مارس الماضي".

"حلول لحظية.. هذا ما ينقصها"
وبعد الاستعراض السابق من الأكاديمي المصري، استدرك بقوله: "ولكننا في خضم كل هذا يجب علينا أن نعي بأننا مازلنا نتعامل مع منظومة (اقتصاد لحظي) Momentum Economy، والذي يتعامل مع حلول لحظية".

ولفت إلى أنه "يجب أن تتحول تلك الحلول لمشاريع منتجة يتم اختبار نتائجها على المديين المتوسط والطويل؛ ومدى تأثير تلك الإستثمارات والمشاريع على الموازنة العامة، وعلى مقاييس جودة الحياة والبطالة والتضخم، وتحقيق الاستقرار السياسي المطلوب لبناء منظومة اقتصادية ناجحة".

اظهار أخبار متعلقة



ويعتقد الشاذلي، أن "كلها مقاييس مازالت تمثل حالة سلبية اقتصادية بالمقاييس المتعارف عليها ويجب إصلاحها، حتى تخرج المنظومة من مرحلة الاعتماد على قروض القروض إلى مرحلة الإنتاج والاعتماد على بيئة استثمارية راسخة".

وختم بالقول: "وعليه فستحمل الشهور القادمة الكثير من الإجابات علي تلك الأسئلة".

حالة ميؤوس منها
من جانبه، قال الخبير الاقتصادي والاستراتيجي الدكتور علاء السيد: "اقتصاد مصر كمريض في حالة ميئوس منها يتم تسكين آلامه الشديدة بحقنه بأقوى المسكنات وأغلاها تكلفة، دون تشخيص سليم ولا خطة علاج حقيقية".

رئيس الأكاديمية المصرفية الدولية أضاف في حديثه لـ"عربي21"، أن "النتيجة ببساطة هي تفاقم المرض والعرض معا، وعند نقطة معينة لن تنفع المسكنات في تسكين آلام الشعب، ولن يجدي تشخيص ولا خطط علاج".

اظهار أخبار متعلقة



استشاري تطوير وتمويل المشروعات والأوقاف الاستثمارية، يرى أن "هدف الحكومة ومن يديرها من الخارج تدمير مصر دون قتلها؛ فتسلب قدرتها على النمو ويتم إغراقها في ديون لا يمكنها سداد خدمتها فضلا عن أقساطها".

وختم بالقول: "وربما يشاهد المتابع للشأن المصري أن البلاد قد وصلت فعلا إلى مرحلة السداد عينيا بالتفريط في الأصول، وتكبيل القرارات الوطنية، وتنفيذ أجندات لا تخص مصر وشعبها وتضر بهما ضررا بليغا، لا أتوقع إمكانية علاجه".

"قدرة على السداد.. ولكن إلى متى؟"
وفي رؤيته، قال الكاتب والباحث الاقتصادي المصري محمد نصر الحويطي، إن "مسألة التصنيف وإعادة النظر بالتصنيف الائتماني وتعديل النظرة المستقبلية من سلبية إلى إيجابية التي أعلنتها وكالة فيتش، مرتبطة بقدرة مصر على سداد أعباء وقروض أو أقساط وأعباء خدمة الدين الخارجي -نحو 168 مليار دولار بنهاية العام الماضي-".

وفي حديثه لـ"عربي21"، أوضح أنه "من هنا جاءت النظرة الإيجابية من أن مصر أصبح لديها حصيلة دولارية أو احتياطي نقدي معتبر بقدر ما؛ نتيجة مباشرة لصفقة رأس الحكمة وما تلاها من عمليات بيع سندات وأذون خزانة للأجانب، أو استقطاب جزء كبير من الأموال الساخنة للأجانب".

اظهار أخبار متعلقة



وبين أنه من خلال ما سبق "أصبح لدى البنك المركزي المصري حصيلة معتبرة من الاحتياطي النقدي ستساهم في سداد جزء كبير من بعض أقساط الديون وفوائد خدمة الدين الخارجي".

وقال الحويطي: "عطفا على ذلك لدينا تراجع أو استقرار في سعر صرف الجنيه أمام الدولار، وهذا يدعم مبدأيا كما قلت عمليات جذب استثمارات أجنبية خاصة غير مباشرة في البورصة المحلية أو في سوق أدوات الدين الحكومي أو سندات أذون الخزانة".

وألمح إلى أن "هذا يؤدي لتوافر الدولار لسداد أعباء معقولة إلى حد ما خلال الفترة الحالية؛ ومن هنا تأتي فكرة تعديل فيتش التصنيف الائتماني لمصر أو اعتمادها نظرة مستقبلية إيجابية لاقتصاد البلاد".

"اقتصاد الطائرة الورقية"
وأشار الكاتب والصحفي الاقتصادي إلى أن "التصنيف الائتماني معناه أنه لدينا قدرة على السداد والاقتراض خلال الفترة المقبلة"، متسائلا: "ولكن هل هذا شيء يمكن أن يعول عليه أنه مستمر أو مستدام؟"، مجيبا بقوله: "لا أحد يقدر أن يقرر هذا، ولكن السوق وحده هو من يقدر على القرار".

اظهار أخبار متعلقة



وخلص للقول إن "الاقتصاد المصري ينطبق عليه وصف اقتصاد الطائرة الورقية، ففي الحقيقة وصفه كطائرة وصف جيد ولكنها في النهاية طائرة ورقية يمكن أن تعبث بها أية رياح سواء داخلية كانت أو خارجية".

وأضاف الحويطي: "وبالتالي فأنت معرض في أي وقت من الأوقات إلى انتكاسة ما لم يكون هناك استدامة لعمليات الإيرادات الدولارية المعتبرة، وما لم يكن هناك خطط لجذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية خلال الفترة المقبلة".

وتابع: "ناهيك عن أنه لدينا مشكلة بسبب تراجع إيرادات قناة السويس بفعل الأوضاع الإقليمية، ولذا فعلى الدولة أن تحاول تعويض فقدان تلك الإيرادات بدعم تحويلات المصريين من الخارج، عبر تثبيت أو تراجع سعر الصرف أو عدم وجود مشاكل في سعر صرف الجنيه مقابل الدولار والعملات الأجنبية".

"لا ترى الشعب"
وفي تعليقه على رفع "فيتش" مستوى النظرة المستقبلية والتصنيف الائتماني لمصر من مستقر إلى إيجابي، قال الخبير الاقتصادي الدكتور محمود وهبه، أن هذا كله مبني على التمويل القادم من صفقة (رأس الحكمة)، مؤكدا أن "فيتش لا ترى مصر من الداخل، ولا من ظروف الشعب، بل تراهم من الخارج، ومن إمكانية تحقيق المال الساخن أرباحا.



وبينما تتداول وسائل الإعلام المصرية أنباء التصنيف الائتماني الجديد لمصر مبشرة بمستقبل واعد ينتظر المصريين، تعيش الأغلبية الشعب البالغ أكثر من 106 ملايين نسمة في الداخل وسط حالة من الفقر والضيق والغضب الشعبي، إلى جانب فقدان الأمل في التغيير، وهي الحالة التي انتقلت إلى النخب المصرية.

وكتب السفير المصري السابق فوزي العشماوي، عبر "فيسبوك"، يقول: "للأسف الشديد، كل ما يحدث يجعل من أي إصلاح أو تغيير تدريجي أمرا مستحيلا، ويترك المجال فقط للتغيير الجذري المرعب المخيف، الذي لا يمكن أبدا التنبؤ بمداه وكلفته وضحاياه".

اظهار أخبار متعلقة



وتحدث المستشار الأممي السابق الدكتور إبراهيم نوار، عما اعتبره "شعور عميق لدى قطاع كبير من المصريين بفقدان الأمل في حدوث إصلاح حقيقي رغم التكلفة العالية التي تدفعها أغلبية المصريين".

وأشار عبر صفحته بـ"فيسبوك"، إلى أن "سيطرة أصحاب المصالح الضيقة، وانعدام الشفافية، وقلة الكفاءة، وانتشار الفساد؛ هي معاول هدم مدمرة تقتل الأمل في مستقبل أفضل للأجيال القادمة.


التعليقات (0)